للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[فصل]

كلُّ هذه القصص ذكرها ابنُ إسحاق معترضًا بها بين تعاقُدِ قريش على بني هاشم وبني المطلب وكتابتهم عليهم الصحيفة الظالمة وحضرهم إياهم في الشعب، وبين نقض الصحيفة وما كان من أمرها، وهي أمورٌ مناسبة لهذا الوقت، ولهذا قال الشافعى : من أراد المغازي فهو عيالٌ على ابن إسحاق.

[ذكر نقض الصحيفة]

قال ابن إسحاق (١): هذا وبنو هاشم، وبنو المطلب في منزلهم الذي تعاقدت فيه قريش عليهم في الصحيفة التي كتبوها، ثمَّ إنَّه قام في نقضِ الصحيفة نفرٌ من قريش، ولم يُبْلِ فيها أحدٌ أحسنَ من بلاء هشام بن عمرو بن الحارث بن حُبَيْب (٢) بن نصر بن مالك بن حِسْل بن عامر بن لؤي، وذلك أنه كان ابنَ أخي نَضْلَة بن هاشم بن عبد مناف لأُمه، وكان هشام لبني هاشم واصلًا، وكان ذا شرفٍ في قومه، فكان - فيما بلغني - يأتي بالبعير وبنو هاشم وبنو المطلب في الشِّعْب ليلًا، قد أوقره طعامًا، حتى إذا بلغ به فمَ الشِّعْب خلَع خِطَامه من رأسه ثم ضرب على جَنْبَيْه فدخل الشعبَ عليهم. ثم يأتي به قد أوقره بزًّا (٣) فيفعل به مثل ذلك.

ثم إنَّه مشى إلى زهير بن أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر (٤) بن مخزوم، وكانت أمه عاتكة بنت عبد المطلب. فقال: يا زهير، أقد رضيتَ أنْ تأكلَ الطعام وتلبس الثياب وتَنْكِحَ النساء وأخوالُك حيثُ علمتَ لا يُباعون ولا يُبتاع منهم، ولا يَنكحون ولا يُنكح إليهم؟ أمَا إنِّي أحْلِفُ بالله لو كانوا أخوالَ أبي الحكم بن هشام ثم دعوتَهُ إلى مثل ما دعاك إليه منهم ما أجابك إليه أبدًا. قال: ويحك يا هشام، فماذا أصنع؟ إنما أنا رجلٌ واحد، والله لو كان معي رجلٌ آخر لقمتُ في نَقْضِها. قال: قد وجدت رجلًا، قال: مَنْ هو؟ قال: أنا. قال له زهير: ابْغِنَا ثالثًا. فذهب إلى المُطْعِم بن عدي فقال له: يا مُطْعِم أقد رضيتَ أن يَهْلِكَ بَطْنان من بني عبْد مناف وأنت شاهدٌ على ذلك موافق لقريش فيه، أما


(١) السير والمغازي (ص ١٦٥) وسيرة ابن هشام (١/ ٣٧٤) - واللفظ له - والروض (٢/ ١٢٢).
(٢) اختلف في ضبطه: حُبَيْب بياء مخففة أم: حُبَيِّب بالتثقيل. انظر الإكمال (٢/ ٢٩٥) وحاشية المعلمي اليماني عليه رقم (٣) ص (٢٩٦، ٢٩٧).
(٣) قال السهيلي في الروض: (٢/ ١٢٧): بزًا، بالزاي المعجمة، وفي غير نسخة الشيخ أبي بحر: برًا؛ وفي رواية يونس: بزًا أو برًا على الشك من الراوي.
(٤) في ح، ط: عمرو، والمثبت من السير والمغازى وسيرة ابن هشام.