للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجاءته البعوثُ من كلِّ جانب، وأرسل إليه المتوكِّلُ جيوشًا يتبَعُ بعضُها بعضًا، فنصَبُوا على بلده المجانيق من كلِّ جانب، وحاصروه محاصرةً عظيمة جدًّا، وقاتلهم مقاتلة هائلة، وصبَرَ هو وأصحابُه صَبرًا بليغًا.

وقدِمَ بُغا الشرابيّ لمحاصرته، فلم يزل به حتى أسره (١) واستباح أموالَه وحرمَه، وقتل خلْقًا من رؤوس أصحابه، وأسر سائرهم، وانحسمت مادة ابن البعيث، وللَّه الحمد.

وفي هذه السنة في جمادى الأولى منها خرج المتوكِّل على اللَّه إلى المدائن.

وفيها: حجَّ إيتاخ أحدُ الأمراء الكبار، وهو والي مكة والمدينة والموسم، ودُعي له على المنابر.

وقد كان إيتاخ هذا غلامًا خَزَريًّا طبَّاخًا، وكان لرجلٍ يقال له: سلام الأبرش، فاشتراه منه المعتصم في سنة تسعٍ وتسعين ومئة، فرفع منزلته وحظي عنده، وكذلك الواثقُ من بعد أبيه، ضمَّ إليه أعمالًا كثيرة، وكذلك عامله المتوكِّل على اللَّه أيضًا، وذلك لرُجْلة (٢) إيتاخ وشهامته ونهضته. ولمَّا كان في هذه السنة شرب ليلةً مع المتوكِّل، فعربَدَ عليه المتوكِّلُ، فهمَّ إيتاخ بقتله، فلمَّا كان الصباح اعتذر المتوكِّلُ إليه، وقال: أنتَ أبي، وأنت ربَّيتني، ثم دسَّ إليه من يُشير عليه بأنْ يستأذن للحجِّ، فاستأذن، فأذن له، وأمَّره على كل بلْدة يحلُّ بها، وخرج القوَّادُ في خدمته إلى طريق الحجِّ حين خرج، وولَّى المتوكِّلُ الحِجابة لوصيف الخادم عوضًا عن إيتاخ.

وحجَّ بالناس فيها محمد بن داود أميرُ مكة، وهو أمير الحجيج من سنين متقدمة.

[وفيها توفي من الأعيان]

أبو خَيثَمة، زُهَيْر بن حَرْب (٣).

وسليمان بن داود الشَّاذَكوني، أحدُ الحفاظ (٤).

وعبد اللَّه بن محمد النُّفَيْليّ (٥).


(١) في أ: حصره، وأثبت ما جاء فى ب، ظا.
(٢) "الرجلة": الرجولية.
(٣) زهير بن حرب بن شداد الحَرَشي البغدادي، الحافظ، الحجة، أحد أعلام الحديث، ثقة، ثبت، متقن. سير أعلام النبلاء (١١/ ٤٨٩).
(٤) سليمان بن داود بن بشر المنقري البصري الشاذَكوني، أبو أيوب، كان آية في كثرة الحفظ، ولكنه متروك الحديث. سير أعلام النبلاء (١٠/ ٦٧٩)، العبر (١/ ٤١٦).
(٥) عبد اللَّه بن محمد بن علي بن نُفَيْل، أبو جعفر القُضاعي ثم النُّفَيْلي الحرَّاني، أحد الأعلام. قال أبو داود: لم أر أحفظ منه، ثقة، مأمون، من أبناء التسعين. سير أعلام النبلاء (١٠/ ٦٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>