للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأظنّه لم يردِ اللهَ بذلك، فخشيتُ عليهم إلَّا يُنْصروا، أن يُغْلبوا ويُنْشَبوا (١)، فاندب إليهم الناسَ واضممهم إليك من قبل أن يجتاحوا. فندب (٢) عتبة المسلمين وأخبرهم بكتاب عمر إليه في ذلك، فانتدب جماعة من الأمراء الأبطال، منهم هاشم بن أبي وقاص، وعاصم بن عمرو، وعرفجة بن هَرْثمة، وحذيفة بن محصن، والأحْنف بن قيس، وغيرهم، في اثني عشر ألفًا. وعلى الجميع (أبو) سَبْرة بن أبي رُهْم. فخرجوا على البغال يجنبون الخيل سراعًا، فساروا على الساحل لا يلقون أحدًا حتى انتهوا إلى (موضع) الوقعة التي كانت بين المسلمين من أصحاب العلاء، وبين أهل فارس بالمكان المسمى بطاوُس، وإذا خُلَيد بن المنذر ومن معه (٣) من المسلمين محصورون قد أحاط بهم العدو من كل جانب، وقد تداعت عليهم تلك الأمم من كل وجه، وقد تكاملت أمداد المشركين، ولم يبق إلا القتال. فقدم المسلمون إليهم في أحوج ما هم فيه إليهم، فالتقوا مع المشركين رأسًا، فكسر أبو سبرة المشركين كسرةً عظيمةً. وقتل منهم مقتلةً عظيمةً جدًّا. وأخذ منهم أموالًا جزيلةً باهرةً، واستنقذ خُلَيدًا ومنْ معه من المسلمين من أيديهم، وأعزَّ به الإسلام وأهلَه، ودفعَ الشركَ وذلَّه ولله الحمد والمنة ثم عادوا إلى عُتبة بن غزوان إلى البصرة.

ولما استكمل عتبة فتح تلك الناحية، استأذن عمر في الحج فأذن له فسار إلى الحجِّ واستخلف على البصرة أبا سَبْرة بن أبي رُهْم، واجتمع بعمر في الموسم، وسأله أن يقيله فلم يفعل، وأقسم عليه ليرجعن إلى عمله. فدعا عتبة الله ﷿ فمات ببطن نخلة، وهو منصرفٌ من الحج، فتأثر (٤) عليه عمر وأثنى عليه خيرًا، وولَّى بعده بالبصرة المغيرةَ بن شُعبة، فوليها بقية تلك السنة والتي تليها، لم يقع في زمانه حدثٌ، وكان مرزوق السلامة في عمله. ثم وقع الكلام في تلك المرأة من أبي بكرة، فكان من أمره ما قدمنا. ثم بعث إليها أبا موسى الأشعري واليًا عليها .

ذكر فتح تُسْتَر ثانية [عنوةً والسوس (٥) ورامهرمز] وأسر الهرمزان وبعثه إلى عمر بن الخطاب

قال ابن جرير (٦): كان ذلك في هذه السنة في رواية سيف بن عمر التميمي. وكان سبب ذلك أن


(١) ينشبوا من النشاب، أو يقعوا في أمر لا خلاص منه.
(٢) في أ: أن يحتاجوا فانتدب.
(٣) في أ: ومن تبعه.
(٤) في أ: فتأسف.
(٥) السوس: بلدة بخوزستان، فتحت في أيام عمر على يد أبي موسى الأشعري، ووجد بها موضعًا فيه جثة دانيال النبي ، فسأل عن ذلك فأخبر أن بختنصَّر نقله إليها لما فتح بيت المقدس، وأنه مات هناك فكان أهل تلك البلاد يستسقون بجثته إذا قحطوا، وأمر عمر بدفنه، فسَكر نهرًا ثم حفر تحته ودفنه فيها وأجرى الماء عليه فلا يدرى أين قبره إلى الآن. معجم البلدان (٣/ ٢٨٠ - ٢٨١).
(٦) في تاريخه (٤/ ٨٩).