فإذا كانت البَطائنُ منْ إسْتَبَرقٍ، فمَا الظن بالظَّهَائر، قاله ابن مسعود. وقال تعالى: ﴿وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ﴾ [الواقعة: ٣٤].
وَرَوى أحمدُ والتِّرْمذيُّ منْ حديثِ دَرَّاجٍ، عن أبي الهَيْثَمِ، عن أبي سَعيدٍ: أنَّ رسولَ اللّهِ ﷺ، قال: ﴿وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ﴾ قال: "وَالّذي نَفْسِي بِيَدِه، إنَّ ارْتِفَاعَها لكمَا بَيْنَ السَّمَاء وَالأرْضِ، وإنَّ ما بَيْن السَّماء وَالأرْضِ مَسيرَةُ خَمْسِمئَةِ عَامٍ" ثم قال: غريبٌ، لا نعْرِفُهُ إلَّا منْ حديثِ رِشدينَ، يَعْني عنْ عَمْرو بن الْحَارِث، عنْ دَرَّاج.
قلتُ: وقد رواه حَرْملةُ، عن ابن وَهْبٍ، ثمَّ قال التّرْمِذيّ: وقالَ بَعْضُ أهْلِ الْعِلْمِ في تفسيرِ هذا الحديثِ: إنَّ مَعْناهُ: الفُرُشُ في الدَّرَجَاتِ، وَبَيْنَ الدَّرَجاتِ كما بَيْنَ السَّماءِ وَالأرْضِ.
قلت: وممَّا يُقَوِّي هذا ما رواهُ عَبْدُ اللّهِ بنُ وَهْبٍ، عن عَمْرٍو، عن دَرَّاجٍ، عن أبي الهيثم، عن أبي سَعيدٍ، قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ في قوله: ﴿وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ﴾ قال: "ما بَيْنَ الفِرَاشَيْن كما بينَ السَّماء والأرْضِ". وهَذَا أشْبَهُ أنْ يكُونَ مَحْفُوظًا (١).
وقال حمَّادُ بنُ سَلمةَ، عن عليّ بنِ زَيْدٍ، عن مُطَرِّفِ بن عَبْدِ اللهِ بن الشِّخِّيرِ، عن كعْبِ الأحْبَارِ، في قوله تعالى: ﴿وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ﴾ قال: مَسيرةُ أربَعينَ سَنَةً، يَعْني أنَّ الفُرُشَ في كل مَحلٍّ ومَوْطنٍ مَوْجُودةٌ مُهَيَّأةٌ لاحْتِمَالِ الاحْتِيَاجِ إليْها في ذلك المَوْضعِ، كما قال تعالى: ﴿فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ (١٢) فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (١٣) وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ (١٤) وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (١٥) وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ﴾ [الغاشيه: ١٢ - ١٦] أي النَّمارِقُ وَهِيَ المَخادُّ مَصْفُوفةٌ في كلِّ مَكانٍ يَليقُ بها، لاحْتِمالِ الاحْتِيَاجِ إلَيْها في ذلك المكان، وكذا الزَّرَابيُ -وَهِيَ البُسُط الْجِيَادُ المفتخرة- مَبْثُوثةٌ هاهُنا وهَاهُنا، في أماكِنِ المتنزَّهات منَ الْجَنَّةِ، كما قال تعالى: ﴿مُتَّكِئِينَ عَلَى
(١) رواه أحمد في المسند (٣/ ٧٥) والترمذي رقم (٢٥٤٠) ورواه ابن حبان (٧٤٠٥) من طريق حرملة، والبيهقي في "البعث والنشور" (٣٤٢) من طريق ابن وهب، وهو حديث ضعيف.