للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال يونس عن ابن إسحاق: قدم رسولُ اللَّه المدينة وهي وبيئة (١)، فأصاب أصحابَهُ بها بلاءٌ وسُقْم حتى أجهدهم ذلك، وصرف اللَّه ذلك عن نبيِّه .

وقد ثبت في الصحيحَيْن (٢) عن ابن عباس قال: قدم رسولُ اللَّه وأصحابه [صبيحة رابعة -يعني مكة- عام عمرة القضاء] (٣)، فقال المشركون: إنه يقدمُ عليكم وَفْدٌ قد وَهَنَهُمْ حُمَّى يَثْرِب؛ فأمرهم رسولُ اللَّه أن يَرْمُلوا وأن يمشوا ما بين الرُّكْنَيْن، ولم يمنَعْهُ أن يرملوا الأشواطَ كلها إلا الإبقاءُ عليهم.

قلت: وعمرة القضاء كانت في سنةِ سبعٍ في ذي القَعْدَة، فإما أن يكون تأخَّر دعاؤه بنقل الوباء إلى قريب من ذلك، أو أنه رُفع وبقي آثَارٌ منه قليل. أو أنهم بَقُوا في خُمَارِ ما كان أصابهم من ذلك إلى تلك المُدَّة. اللَّه أعلم.

وقال زياد عن ابن إسحاق (٤): وذكر ابنُ شهاب الزُّهري عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص أنَّ رسولَ اللَّه لما قدم المدينة هو وأصحابُه أصابَتْهُمُ حُمَّى المدينة حتى جهدوا مرضًا، وصرف اللَّه ذلك عن نبيِّهِ حتى كانوا وما يصلُّون إلا وهم قعود، قال فخرج رسولُ اللَّه وهم يصلُّون كذلك فقال لهم: "اعلموا أنَّ صلاة القاعد على النِّصْفِ من صلاة القائم". فتجشَّمَ المسلمونَ القيامَ على ما بهم من الضعف والسُّقْم التماسَ الفَضْل.

فصل في عقده عليه الصلاة السلام الألْفَة بين المهاجرين والأنصار بالكتاب الذي أمر به فكتب بينهم والمؤاخاة التي أمرهم بها وقرَّرهم عليها وموادعته اليهود الذين كانوا بالمدينة

وكان بها من أحياء اليهود بنو قَيْنُقَاع وبنو النَّضِير وبنو قُرَيظة، وكان نزولهم بالحجاز قبل الأنصار أيام بُخْت نَصَّر حين دوَّخ بلادَ المَقْدِس فيما ذكره الطَّبَري (٥). ثم لما كان سيل العرم وتفرَّقَتْ سَبَأ شَذَر مَذَر نزل الأوسُ والخزرج المدينةَ عند اليهود، فحالفوهم وصاروا يتشبَّهون بهم لما يرَوْن لهم عليهم من الفضل في العلم المأثور عن الأنبياء، لكن مَنَّ اللَّه على هؤلاء الذين كانوا مشركين بالهدى والإسلام وخَذَلَ أولئك لحسَدهم وبَغْيهم واستكبارهم عن اتِّباع الحقّ.


(١) في دلائل النبوة (٢/ ٥٦٨): وهي أوبأ أرض اللَّه من الحمى. والمصنف ينقل عنه.
(٢) فتح الباري (١٦٠٢) الحج باب كيف كان بدءُ الرَّمَل (٤٢٥٦) المغازي باب عمرة القضاء، وصحيح مسلم (١٢٦٦) (٢٤٠) الحج باب استحباب الرمل في الطواف والعمرة.
(٣) ما بين المعقوفين ليس في صحيح البخاري ولا في صحيح مسلم.
(٤) سيرة ابن هشام (١/ ٥٦٠) والروض (٣/ ١٠).
(٥) تاريخ الطبري (١/ ٥٣٨، ٥٣٩).