للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فصل]

ثم لما كبر قُصي فوّض أمر هذه الوظائف التي كانت إليه من رئاسات قريش وشرفها من الرفادة والسقاية والحجابة واللواء والندوة (١) إلى ابنه عبد الدار، وكان أكبر ولده. وإنما خصصه بها كلها لأن بقية إخوته عبد مناف وعبد العزّى (٢) وعبد كانوا قد شَرُفوا في زمن أبيهم، وبلغوا في قوتهم (٣) شرفًا كبيرًا، فأحب قُصي أن يلحق بهم (٤) عبد الدار في السؤدد، فخصصه بذلك، فكان إخوته لا ينازعونه في ذلك، فلما انقرضوا تشاجر أبناؤهم في ذلك، وقالوا: إنما خصص قُصي عبدَ الدار بذلك ليُلحقه بإخوته، فنحن نستحقُّ ما كان أباؤنا يستحقونه، وقال بنو عبد الدار: هَذا أمر جعله لنا قُصَي، فنحن أحق به. واختلفوا اختلافًا كثيرًا، وانقسمت بطون قريش فرقتين: ففرقة بايعت عبدَ الدار وحالفتهم، وفرقة بايعت بني عبد مناف وحالفوهم على ذلك ووضعوا أيديهم عند الحلف في جَفْنة فيها طيب، ثم لما قاموا مسحوا أيديهم بأركان الكعبة فسُمّوا: حلف المطَيّبين. وكان منهم من قبائل قريش: بنو أسد بن عبد العزى بن قُصي، وبنو زُهرة، وبنو تميم وبنو الحارث بن فِهر. وكان مع بني عبد الدار بنو مخزوم، وبنو سَهم، وبنو جُمح، وبنو عَدي. واعتزلت بنو عامر بن لُؤي ومُحارب بن فِهر الجميع، فلم يكونوا مع واحد منهما. ثم اصطلحوا واتفقوا على أن تكون الرفادة والسقاية لبني عبد مناف، وأن تستقر الحجابة واللواء والندوة في بني عبد الدار، فانبرم الأمر على ذلك واستمر (٥).

وحكى الأموي عن الأثرم عن أبي عُبيدة قال: وزَعَم قوم من خُزاعة (٦) أن قُصيًا لما تزوج حُبَّى بنت حُليل ونقل حُليل عن ولاية البيت جعلها إلى ابنته حُبَّى، واستناب عنها أبا غُبشان سليم بن عمرو بن لؤي بن مِلكان بن قُصي بن حارثة بن عمرو بن عامر، فاشترى قصي ولاية البيت منه بزِقِّ خَمر وقَعود (٧)، فكان يقال: أَخْسَر من صَفقة أبي غُبْشان (٨). ولما رأت خُزاعة ذلك اشتدّوا على قُصي، فاستنصر أخاه، فقَدِم بمن معه، وكان ما كان.


(١) في ب: ودار الندوة.
(٢) كذا في ب. وهو موافق لنص السيرة (١/ ١٢٩)، وفي أ، وط: عبد الشمس.
(٣) في ب: قومهم.
(٤) في ب: يلحق عبد الدار بهم.
(٥) السيرة (١/ ١٢٩ - ١٣١).
(٦) ليست في ب.
(٧) القعود: الناقة، والفصيل.
(٨) المثل والقصة في الدرة الفاخرة (١/ ١٣٩).