للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قصّة أصحاب الأخدود

قال الله تعالى: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (١) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (٢) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (٣) قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (٤) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (٥) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (٦) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (٧) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٨) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٩) إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ﴾ [البروج: ١ - ١٠].

قد تكلّمنا على ذلك مستقصى في تفسير هذه السورة (١) ولله الحمد.

وقد زعم محمد بن إسحاق أنهم كانوا بعد مبعث المسيح، وخالفه غيره فزعموا أنهم كانوا قبله.

وقد ذكر غير واحد أن هذا الصنيع مكرر في العالم مراراً في حق المؤمنين من الجبارين الكافرين، ولكنْ هؤلاء المذكورون في القرآن قد ورد فيهم حديث مرفوع، وأثَر أورده ابن إسحاق، وهما متعارضان وها نحن نوردهما لنوقف عليهما (٢).

قال الإمام أحمد (٣): حدّثنا عفان (٤)، حدّثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن صهيب أن رسول الله قال: "كان مَلِك فيمن كان قبلكم، وكان له ساحرٌ، فلما كبر الساحِرُ قال للملك: إني قد كَبرتْ سني، وحَضَرَ أجلي، فادفعْ إليَّ غلاماً فلأُعلمه السحرَ، فدفع إليه غلاماً، فكان يعلمه السحرَ، وكان بين الساحر وبين الملك (٥) راهب، فأتى الغلام على الراهب، فسمع من كلامه، فأعجبه نحوه وكلامُه، وكان إذا أتى الساحرَ ضربه وقال: ما حبسك؟ وإذا أتى أهله ضربوه وقالوا: ما حبسك؟ فشكا ذلك إلى الراهب، فقال: إذا أراد الساحر أن يضربك فقل حبسني أهلي، وإذا أراد أهلك أن يضربوك فقل: حبسني الساحر. قال: فبينما (٦) هو ذات يوم إذ أتى على دابة فظيعة عظيمة قد حَبَستِ الناسَ فلا يستطيعون أن يجوزوا، فقال: اليومَ أعلم أمرُ الساحر أحبُّ إلى الله أم أمرُ الراهب. قال: فأخذ حَجَراً فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك وأرضى من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يجوز الناس، ورماها فقتلها ومضى، فأخبر الراهب بذلك، فقال: أي بني أنت أفضلُ مني، وإنك


(١) تفسير ابن كثير (٤/ ٤٩١) وما بعدها.
(٢) في ط: لتقف.
(٣) في المسند (٦/ ١٧).
(٤) في ط: سقط " عفان " من السند.
(٥) في ط وأ: " وكان بين الملك وبين الساحر ". وما أثبتناه من ب، وهو موافق لما في المسند الذي ينقل منه المصنف.
(٦) في ط وأ: " فبينا " وما هنا من ب، وهو الموافق للمسند.