للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأموال (١) الجزيلةَ ولله الحمد والمنة، وكسروا الجالينوس الذي جاء لنصرة جابان وغنموا جيشه وأمواله، وكرَّ هاربًا إلى قومه حقيرًا ذليلًا.

وقعة جسر أبي عُبَيْدٍ ومَقْتلُ أمير المُسلمين وخلق كثير منهم

لما رجع الجالينوس هاربًا مما لقي من المسلمين تذامرت (٢) الفرس بينهم واجتمعوا إلى رستم فأرسل جيشًا كثيفًا عليهم ذا الحاجب "بَهْمَن (٣) جاذويه" وأعطاه راية أفريدون وتسمى دِرفْش كابيان، وكانت الفرس تتيمَّن بها. وحملوا معهم راية كسرى وكانت من جلودِ النمور، عرضُها ثمانية أذرع. فوصلوا إلى المسلمين وبينهم النهر وعليه جسر، فأرسلوا: إما (أن) تعبروا إلينا وإما أن نعبر إليكم. فقال المسلمون لأميرهم أبي عبيد: أُؤْمُرْهُمْ فليعبروا هم إلينا. فقال: ما هُم بأجرأ على الموت منّا، ثم اقتحمَ إليهم فاجتمعوا في مكانٍ ضيّقٍ هنالك، فاقتتلوا قتالًا شديدًا لم يعهدْ مُثْله، والمسلمون في نحو من عشرة آلاف، وقد جاءت الفرسُ معهم بأفيلةٍ كثيرةٍ عليها الجلاجلُ، قائمة لتذعر خيولَ المسلمين، فجعلوا كلما حملوا على المسلمين فرَّت خيولُهم من الفيلةِ ومما تَسْمعُ من الجلاجل التي عليها، ولا يثبت منها إلا القليل على قسْر، وإذا حمل المسلمون عليهم لا تقدم خيولُهم على الفيلة، وَرَشَقَتْهُم الفرسُ بالنبل، فنالوا منهم خلقًا كثيرًا وقتلَ المسلمون منهم مع ذلك ستةَ آلاف.

وأمر أبو عُبَيْد المسلمين أن يقتلوا الفيلة أولًا، فاحتوشوها (٤) فقتلوها عن آخرها، وقد قدَّمتِ الفرسُ بين أيديهم فيلًا عظيمًا أبيض، فتقدَّم إليه أبو عُبيد فضربَهُ بالسيف فقطع ذلومه (٥) فحمي الفيل، وصاح صيحةً هائلةً وحمل فتخبطه برجليه فقتله ووقفَ فوقه، فحمل على الفيل خليفة أبي عبيد الذي كان أوصى أن يكون أميرًا بعده فقتل، ثم آخر، ثم آخر، حتى قتل سبعة من ثقيف كان قد نصَّ أبو عُبيد عليهم واحدًا بعد واحد، ثم صارت إلى المُثنَّى بن حارثة بمُقْتضى الوصية أيضًا. وقد كانت دَوْمةُ امرأةُ أبي عبيد رأت منامًا (٦) يدل على ما وقع سواء بسواء. فلما رأى المسلمون ذلك وَهَنوا عند ذلك، ولم يكن


(١) هذه أول لفظة من الورقة (١٧٣ و ١٧٤) التي لا تبين فيها الحروف والكلمات بسبب الحبر.
(٢) تذامر المشركون: أي تلاوموا على ترك الفرصة، وقد تكون بمعنى تحاضوا على القتال. اللسان "ذمر".
(٣) في ط: بهمس حادويه. وما هنا عن أو الطبري (٣/ ٤٥٤) وابن الأثير (٢/ ٤٣٨).
(٤) احتوش القوم على فلان: جعلوه وسطهم. اللسان (حوش).
(٥) لم أجدها في كتب اللغة، وفي "تاج العروس": زلم أنفه: إذا قطعه، وازدلم أنفه: استأصله، وازدلم رأسه: قطعه. - ورواية الطبري (٣/ ٤٥٧): مِشفره -.
(٦) رأت دَوْمة - امرأة أبي عبيد - أن رجلًا نزل من السماء بإناءٍ فيه شراب لحرب أبو عبيد وجَبْر في أناس من أهله، فأخبرت بها أبا عيد فقال: هذه الشهادة، وعهد أبو عبيد إلى الناس، فقال: إن قتلت فعلى الناس جبر، فإن قتل فعليكم فلان حتى أمَّر الذين شربوا من الإناء على الولاء من كلامه. ثم قال: إن قتل أبو القاسم فعليكم المثنى. الطبري (٣/ ٤٥٦).