للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دمشق، وقالوا: إنه يزعم أنَّه يرى الملائكة ويكلّمونه، فخرج إلى بعض الثغور، فرأى بعضُ أهل دمشق: أنه إن لم يرجع إليكم هلكتم. فخرجوا في طلبه وتشفَّعُوا إليه حتَّى ردُّوه (١).

وقد اختلف الناس في وفاته على أقوال، فقيل: سنة أربع ومئتين، وقيل: سنة خمس ومئتين، وقيل: سنة خمس عشرة، وقيل: سنة خمس وثلاثين، واللَّه أعلم.

وقد قال مروان الطَّاطَريُّ (٢) يوم مات أبو سليمان: لقد أصيبَ به أهلُ الإسلام كلُّهم (٣).

قلت: وقد دفن في قرية دارَيَّا، وقبره بها مشهور وعليه بناءٌ، وقبلته مسجد بناه الأمير ناهض الدين عمر المهراني، ووقف على المقيمين عنده وقفًا يدخل عليهم منه غلة، وقد جُدد مزارُه في زماننا هذا، ولم أر الحافظ ابن عساكر تعرَّض لموضع دفنه بالكلية، وهذا عجيب منه.

وروى ابنُ عساكر، عن أحمد بن أبي الحواري، قال: كنت أشتهي ان أرى أبا سليمان في المنام، فرأيتُه بعد سنة، فقلت: ما فعلَ اللَّهُ بك يا معلّم؟ فقال: يا أحمدُ، دخلت يومًا من باب الصَّغير فرأيت حِمْلَ شِيحٍ (٤)، فأخذتُ منه عودًا، فما أدري تخلَّلتُ به أو رميته، فأنا في حسابه إلى الآن (٥).

وقد توفي ابنه سليمان بعده بنحوٍ من سنتين، رحمهما اللَّه تعالى.

[ثم دخلت سنة ست ومئتين]

فيها: ولَّى المأمون داودَ بن ماسجور بلاد البصرة، وكُور (٦) دِجْلَة، واليمامة، والبحرين، وأمره بمحاربة الزُّطّ.

وفيها: جاء مدٌّ كثير فغرق بلاد أرض السواد، وأهلك للناس شيئًا كثيرًا.

وفيها: ولَّى المأمون عبدَ اللَّه بن طاهر بن الحسين الرَّقَّة، وأمره بمحاربة نَصْر بن شَبَثٍ، وذلك أن


(١) ابن عساكر (المجلد ٤٠/ ١١٠).
(٢) يقال لمن يبيع الثياب البيض بدمشق ومصر: طاطري.
وهو مروان بن محمد بن حسَّان، أبو بكر، الإمام القدوة الحافظ، مات سنة ٢١٠ هـ.
اللباب (٢/ ٢٦٨)، وسير أعلام النبلاء (٩/ ٥١٠).
(٣) ابن عساكر (المجلد ٤٠/ ١١٢)
(٤) في ظا، ط: حمل شيخ. وفي ابن عساكر وسير أعلام النبلاء: وَسْقَ شيح. و"الوَسْق": حمل بعير. و"الشِّيح": نبتٌ سهلي رائحته طيّبة قوية. و"باب الصغير": مقبرة في دمشق.
(٥) ابن عساكر (المجلد ٤٠/ ١١٤)، وسير أعلام النبلاء (١٠/ ١٨٥).
(٦) قال ياقوت: إذا أطلق هذا الاسم فإنما يراد به أعمال البصرة ما بين مَيْسان إلى البحر، كلمة يقال له: كُور دِجْلَة.

<<  <  ج: ص:  >  >>