للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل]

قال اللَّه تعالى: ﴿فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (٦) وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (٧) فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (٨) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (٩) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (١١) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ. . .﴾ الآيات [الواقعة: ٦ - ١٢]. فإذا نُصِب كرسيُّ فَصْل القضاء، انْمازَ الكافرُون عن المُؤْمنين في المَوْقفِ إلى ناحية الشِّمال، وبقي المؤمنون عن يمين العرش، ومنهم من يكون بين يديه. قال اللَّه تعالى: ﴿وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (٥٩)[يس: ٥٩]. وقال تعالى: ﴿ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ. . .﴾ الآية [يونس: ٢٨]. وقال تعالى: ﴿وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الجاثية: ٢٨] فالخلق كلهم قيامٌ لرَبِّ العالمين بين يديه، والعَرَقُ قد غَمَر أكثرهم، وبلغ الجهد منهم كلَّ مَبْلَغ، والناسُ فيه بحَسب الأعمال كما تقدّم في الأحاديث، خاضعينَ صامتين، لا يتكلّم أحدٌ إِلَّا بإذنه تعالى، ولا يتكلَّم يومئذِ إلَّا الأنبياءُ والرُّسل، حولهم أُمَمهُم، وكِتابُ الأعمال قد اشتمل على عمل الأَوَّلين، والآخرين، موضوعٌ لا يغادر صغيرةً، ولا كبيرةً إلَّا أحصاها، مما كان يعمل الخلق، وأحصاه اللَّه ونَسُوه، وكتبتْه عليهم الحَفظةُ كما قال اللَّه تعالى: ﴿يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (١٣) بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (١٤) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ﴾ [القيامة: ١٣ - ١٥]. وقال تعالى: ﴿وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (١٣) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾ [الإسراء: ١٣ - ١٤].

قال الحسن البصريّ: لقد أنصفك يا ابن آدم من جعلك حسيب نفسك، والميزانُ منصوب لوزْن أعمال الخير والشرّ، والصراط قد مُدَّ على متن جهنم، والملائكة مُحْدقونَ ببني آدم وبالجنِّ، وقد بُرِّزَت الجحيمُ، وأزلفت دارُ النعيم، وتجلى الربُّ تعالى لفصل القضاء [بين عباده]، وأشرقت الأرضُ بنُور رَبِّها، وقرئت الصحف، وشَهِدَت على بني آدم الملائكةُ بما فعلوا، والأرضُ بما عملوا على ظهرها، فمن اعترف منهم، وإلا خُتِمَ على فِيهِ، ونَطَقَتْ جوارِحُه بما عَمِل بها في أوقات عمله، من لَيْلٍ أو نَهار، وقال اللَّه تعالى عن الأرض: ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (٤) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا﴾ [الزلزلة: ٤ - ٥]. وقال تعالى: ﴿وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٩) حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٢٠) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢١) وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢٢) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [فصلت: ١٩ - ٢٣]. وقال تعالى: ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (٢٥)[النور: ٢٤ - ٢٥]. وقال تعالى: ﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٦٥) وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (٦٦) وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ﴾ [يس: ٦٥ - ٦٧]. وقال تعالى: ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>