روي عن ابن عباسٍ، ومجاهدٍ، وعِكْرِمَة، وسعيد بن جُبيرٍ، وقتادة، والضَّحَّاك وغيرهم، أنه لما أمر الله تعالى أن يمنع المشركون من قُربان المسجد الحرام في الحجِّ وغيره قالت قريشٌ: لينقطعنَّ عنا المتاجر والأسواق أيام الحجِّ، وليذهبنَّ ما كنا نُصيب منها، فعوَّضهم الله عن ذلك بالأمر بقتال أهل الكتاب حتى يُسلموا أو يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون.
قلت: فعزم رسول الله ﷺ على قتال الرُّوم؛ لأنهم أقرب الناس إليه وأولى الناس بالدّعوة إلى الحقِّ؛ لقربهم إلى الإسلام وأهله.
وقد قال الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ [التوبة: ١٢٣].
فلما عزم رسول الله ﷺ على غزو الرُّوم عام تَبُوك -وكان ذلك في حرٍّ شَديدٍ وضيق من الحال- جلَّى للناس أمرها ودعا من حوله من أحياء الأعراب للخروج معه، فأوعب معه بشرٌ كثيرٌ، كما سيأتي، قريبًا من ثلاثين ألفًا، وتخلَّف آخرون، فعاتب الله من تخلَّف منهم لغير عذرٍ من المنافقين والمقصِّرين، ولامهم ووبَّخهم وقرَّعهم أشدَّ التَّقريع، وفضحهم أشدَّ الفضيحة، وأنزل فيهم قرآنًا يُتلى وبيَّن أمرهم في
(١) انظر أخبارها في "الاكتفا بمغازي الرسول والثلاثة الخلفا" و "الروض الأنف" (٧/ ٣٠٤) و "عيون الأثر" (٢/ ٢٩٢) و"زاد المعاد" (٣/ ٤٦٠) و"الفصول في سيرة الرسول" ص (٢١٠) و "شذرات الذهب" (١/ ١٢٨) بتحقيقي.