للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

علم الحديث وشيئًا من التشيع أيضًا، وكان حافظًا مكثرًا مطيقًا، يقال: إنه كان يحفظ أربعمئة ألف حديث بأسانيدها ومتونها، ويذاكر بستمئة ألف حديث، ويحفظ من المراسيل والمقاطيع والحكايات قريبًا من ذلك، ويحفظ أسماء الرجال وجرحهم وتعديلهم، وأوقات وَفَياتهم ومذاهبهم، حتى تقدَّم على أهل زمانه، وفاق على سائر أقرانه. وكان يجلس للإملاء فيزدحم الناس عند منزله، وإنما كان يملي من حفظه إسناد الحديث ومتنه محرَّرًا جيدًا صحيحًا، وقد نُسبَ إلى التشيع كأستاذه ابن عُقْدة، وكان يسكن بباب البصرة عندهم، وقد سئل الدارقطني عنه، فقال: خلَّط. وقال أبو بكر البَرْقاني: كان صاحب غرائب، ومذهبه معروف في التشيع، وقد حكي عنه قلة دين وشرب خمر، فاللّه أعلم. ولما احتُضر أوصى أن تحرق كتبه فحرقت، وحرق معها كتبُ كثيرٍ من الناس كانت عنده، فبئس ما عمل، وحين أخرج بجنازته كانت سُكينة - نائحة الرافضة - تنوح عليه في جنازته.

ترجمة الدُّمَسْتَق (١) ملك الأرمن، واسمه النقفور

الذي توفي سنة ثنتين [وقيل: خمس] (٢)، وقيل: ست وخمسين وثلاثمئة.

كان هذا الملعون من أغلظ الملوك قلبًا، وأشدهم كفرًا، وأقواهم بأسًا، وأحدِّهم شوكةً، وأكثرهم قتالًا للمسلمين في زمانه، استحوذ في أيامه - لعنه اللّه - على كثيرٍ من السواحل أو أكثرها، وانتزعها من أيدي المسلمين قسرًا، واستمرت في يده قهرًا، وأضيفت إلى مملكة الروم قدرًا؛ وذلك لتقصير أهل ذلك الزمان، وظهور البدع الشنيعة فيهم وكثرة العصيان.

وقد ورد حلب في مئتي ألف مقاتل بغتة في سنة إحدى وخمسين، وجال فيه جولة، ففرَّ من بين يديه صاحبها سيف الدولة، ففتحها اللعين عَنْوةً، وقتل من أهلها من الرجال والنساء ما لا يعلمه إِلَّا اللّه، وخرَّب دار سيف الدولة التي كانت ظاهر حلب، وأخذ أموالها وحواصلها وعُدَدها، وبدَّد شملها (٣)، وفرَّق عددها، واستفحل جدًّا أمر الملعون، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وبالغ في الاجتهاد في قتال الإسلام وأهله، وجدَّ في التشمير، فالحكم للّه العلي الكبير.

وقد كان - لعنه اللّه - لا يدخل بلدة إِلَّا قتل المقاتلة وبقية الرِّجال، وسبى النِّساء والأطفال، وجعل جامعها اصطبلًا لخيوله، وكسر منبرها، وأسكتَ مؤذنيها بخيله ورَجْله وطبوله، ولم يزل ذلك من دأبه وديدنه حتى سلَّط اللّه عليه زوجته، فقتلته بجواريها في وسط مسكنه، وأراح اللّه منه الإسلام وأهله،


(١) الضبط من صبح الأعشى (٥/ ٣٥٨).
(٢) ما بين حاصرتين من (ط).
(٣) في (ج): وفرَّق، والمثبت من (ب).

<<  <  ج: ص:  >  >>