للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد قيل: إنه وواصل بن عطاء ولدا سنة ثمانين. وحكى البخاري (١) أن عَمْرًا مات سنة ثنتين أو ثلاثٍ وأربعين ومئة بطريق مكة.

وقد كان عمرو مَحْظِيًّا عند أبي جعفر المنصور، كان المنصورُ يُحبُّه ويعظّمه لأنه كان يَفِدُ على المنصور مع القرَّاء فيعطيهم المنصور فيأخذون، ولا يأخذُ عمرٌو منه شيئًا، وكان يسألُهُ أنْ يقبلَ كما يقبَلُ أصحابهُ فلا يقبَلُ منه، فكان ذلك مما يغُزُ المنصور ويروج به عليه حالُه، لأنَّ المنصورَ كان بخيلًا، وكان يُعجِبُهُ ذلك منه ويُنشد:

كلُّكمْ يَمْشِي رُويْدْ … كلُّكُمْ يَطلُبُ صَيْدْ

غيرَ عمرِو بنِ عُبَيْد (٢)

ولو تبصَّرَ المنصور لعلم أنَّ كلَّ واحد من أولئك القراء خيرٌ من مِلْءِ الأرض مثل عمرو بن عبيد، والزُّهد لا يدلُّ على صلاح، فإنَّ بعضَ الرُّهبان قد يكونُ عنده من الزُّهد ما لا يُطِيقُهُ عمرو. ولا كثيرٌ من المسلمين في زمانه.

وقد روَيْنا عن إسماعيل بن خالد القَعْنَبي، قال: رأيتُ الحسنَ بن جعفر في المنام بعدَما مات بعَبَّادان فقال لي: أيوب ويونس وابن عَوْن في الجنة. قلتُ: فعمرو بن عُبيد؟ قال: في النار. ثم رآه مرَّةً ثانية - ويُروى ثالثة - فيسأله فيقول له مثلَ ذلك، وقد رُئيت له مناماتٌ قَبِيحة، وقد أطال شيخُنا في تهذيبه في ترجمَتِهِ (٣) ولَخَّصنا حاصلَها في كتاب "التكميل" وإنما أشَرْنا هاهنا إلى نُبْذَةٍ من حالِهِ ليُعرَف فلا يُغْتَرّ به. واللّه أعلم.

[ثم دخلت سنة ثلاث وأربعين ومئة]

فيها ندب المنصورُ الناسَ إلى غَزْوِ الدَّيْلَم لأنَّهم قتلوا من المسلمين خلقًا، وأمر أهلَ الكوفة والبصرة مَنْ كان منهم يقدِرُ على عشرةِ آلافِ فصاعدًا فَلْيَذْهَبْ مع الجيش إلى الدَّيْلَم، فانتدب خلقٌ كثير، وجَمٌّ غَفِيرٌ لذلك.

وحجَّ بالناس فيها عيسى بن موسى نائبُ الكوفة وأعمالِها.


(١) في التاريخ الكبير (٦/ ٣٥٢).
(٢) ذكر الأبيات الخطيب في تاريخ بغداد (١٢/ ١٦٨)، والذهبي في سير أعلام النبلاء (٦/ ١٠٥).
(٣) انظر تهذيب الكمال (٢٢/ ١٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>