للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"لا غفر الله لك". فقام وهو يتلَّقى دموعه ببرديه، فما مضت له سابعة حتى مات، فدفنوه فلفظته الأرض، فجاؤوا النبيَّ فذكروا ذلك له، فقال: "إنَّ الأرض تقبل من هو شرٌّ من صاحبكم، ولكنَّ الله أراد أن يعظكم من حرمتكم". ثم طرحوه بين صدفي جبل، فألقوا عليه من الحجارة، ونزلت: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا﴾ الآية [النساء: ٩٤]. وقد ذكره موسى بن عقبة، عن الزهريِّ، ورواه شعيب، عن الزهريِّ، عن عبد الله بن موهب، عن قبيصة بن ذؤيب نحو هذه القصة، إلا أنه لم يسمِّ محلِّم بن جثَّامة، ولا عامر بن الأضبط. وكذلك رواه البيهقيُّ (١)، عن الحسن البصريِّ بنحو هذه القصة، وقال: وفيه نزل قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا﴾ الآية.

قلت: وقد تكلَّمنا في سبب نزول هذه الآية ومعناها في "التفسير" (٢) بما فيه الكفاية، ولله الحمد والمنة.

* * *

سَرِيَّة عبد الله بن حُذَافَة السَّهْمِيِّ

ثبت في "الصحيحين" (٣) من طريق الأعمش، عن سعد بن عُبيدة، عن أبي عبد الرحمن السُّلميِّ، عن عليِّ بن أبي طالب قال: استعمل النبيُّ رجلًا من الأنصار على سريَّة، بعثهم وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا. قال: فأغضبوه في شيء فقال: اجمعوا لي حطبًا. فجمعوا، فقال: أوقدوا نارًا. فأوقدوا، ثم قال: ألم يأمركم رسول الله أن تسمعوا لي وتطيعوا؟ قالوا: بلى. قال: فادخلوها. قال: فنظر بعضهم إلى بعض، وقالوا: إنما فررنا إلى رسول الله من النار. قال: فسكن غضبه وطفئت النار، فلما قدموا على النبيِّ ، ذكروا ذلك له، فقال: "لو دخلوها ما خرجوا منها، إنما الطاعة في المعروف".

وهذه القصة ثابتة أيضًا في "الصحيحين" (٤) من طريق يعلى بن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس.

وقد تكلَّمنا عن هذه الآية بما فيه كفاية في "التفسير" (٥) ولله الحمد والمنة.


(١) في "دلائل النبوة" (٤/ ٣١٠).
(٢) انظر "تفسير القرآن العظيم" للمؤلف (٢/ ٣٣٦).
(٣) رواه البخاري رقم (٤٣٤٠) و (٧١٤٥) ومسلم رقم (١٨٤٠) (٤٠).
(٤) رواه البخاري رقم (٤٥٨٤) ومسلم رقم (١٨٣٤).
(٥) انظر "تفسير القرآن العظيم" للمؤلف (٢/ ٣٠٤).