للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قصة أصحاب أيلة الذين اعتدوا في سبتهم]

قال الله تعالى في سورة الأعراف: ﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (١٦٣) وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (١٦٤) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (١٦٥) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ [الأعراف: ١٦٣ - ١٦٦].

وقال تعالى في سورة البقرة: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (٦٥) فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: ٦٥ - ٦٦].

وقال تعالى في سورة النساء: ﴿أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولً﴾ [٤٧].

قال ابن عباس ومُجاهد وعِكْرمة وقَتادة والسُّدَي وغيرُهم: هم أهل أيلة (١). زاد ابن عباس بين مَدْين والطُّور (٢).

قالوا: وكانوا متمسِّكين (٣) بدين التوراة في تحريم السبت في ذلك الزمان، فكانت الحِيْتان قد أَلِفَتْ منهم السكينة في مثل هذا اليوم، وذلك أنه كان يحرَّم عليهم الاصطياد فيه، كذلك جميع الصنائع والتجارات والمكاسب، فكانت الحِيْتان في مثل يوم السبت يكثر غشيانها لمحلَّتهم من البحر، فتأتي من هاهنا وهاهنا ظاهرةً آمنةً مسترسلةً، فلا يهيجونها ولا يذعرونها، ﴿وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ﴾ وذلك لأنهم كانوا يصطادونها فيما عدا السبت.

قال الله تعالى: ﴿كذَلِكَ نَبلُوهُم﴾ أي: نختبرهم بكثرة الحِيْتان في يوم السبت ﴿بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ أي: بسبب فسقهم المتقدَّم.

فلما رأوا ذلك احتالوا على اصطيادها في يوم السبت بأن نصبوا الحبال والشباك والشُّصُوص (٤) وحفروا الحُفَر التي يجري معها الماء إلى مصانع قد أعدوها إذا دخلها السمك لا يستطيع أن يخرج منها، ففعلوا ذلك في يوم الجمعة، فإذا جاءت الحيْتان مُسترسلةً يوم السبت علقت بهذه المصايد، فإذا خرج


(١) معجم البلدان. وهي التي تسمى اليوم إيلات، على الشاطئ الشمالي للبحر الأحمر جنوب فلسطين.
(٢) تفسير الطبري (١/ ٢٦٢).
(٣) في ب: مستمسكين.
(٤) الشُّصوص، مفردها: شِصّ: وهي حديدة عقفاء يصاد بها السمك.