للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طلحة بن عبيد اللَّه على الخَرَاج، واسْتوسَق (١) له المصران جميعًا. وأرسل إلى أهل مصر فبايعوه، واستناب عليها عبد الرحمن بن جَحْدَر، وأطاعت له الجزيرة وبلاد الشام سوى دمشق وأعمالها من الأردن فإنهم بايعوا لمروان بن الحكم.

ولما رجع الحُصين بن نُمير من مكة إلى الشام كان قد التفَّ على عبد اللَّه بن الزبير جماعة من الخوارج يدافعون عنه، منهم: نافع بن الأزرق، وعبد اللَّه بن إباض، وجماعة من رؤوسهم. فلما استقرَّ أمره في الخلافة قالوا فيما بينهم: إنكم قد أخطأتم لأنكم قاتلتم مع هذا الرجل ولم تعلموا رأيه في عثمان بن عفان -وكانوا يبغضون عثمان- فاجتمعوا إليه فسألوه عن عثمان، فأجابهم فيه بما يَسُوءُهم، وذكر لهم ما كان متصفًا به من الإيمان والتصديق والعدل والإحسان والسِّيرة الحسنة والرجوع إلى الحق إذا تبيَّن له. فعند ذلك نفروا عنه، وفارقوه، وقصدوا بلاد العراق وخراسان، فتفرقوا فيها بأبدانهم، وأديانهم، ومذاهبهم، ومسالكهم المختلفة المنتشرة التي لا تنضبط ولا تنحصر، لأنها مفرعة على الجهل، وقوة النفس، والاعتقاد الفاسد. ومع هذا استحوَذوا على كثير من البلدان والكُوَر، حتى انتُزعت منهم بعد ذلك على ما سنذكره فيما بعد إن شاء اللَّه.

ذكر بيعة مروان بن الحكم (٢)

وكان سبب ذلك أن حُصَين بن نُمَير لما رجع من أرض الحجاز، وارتحل عبيد اللَّه بن زياد من البصرة إلى الشام، وانتقلت بنو أميَّة من المدينة إلى الشام، اجتمعوا إلى مروان بن الحكم بعد موت معاوية بن يزيد بن معاوية، وقد كان عزَم على أن يبايع لابن الزبير بدمشق، وقد بايع أهلها الضحَّاك بن قيس على أن يصلح بينهم ويقيم لهم أمرهم حتى يجتمع الناس على إمام، والضحاك يريد أن يبايع لابن الزبير. وقد بايع لابن الزبير النُّعمان بن بشير بحمص، وبايع له زُفَر بن عبد اللَّه الكِلابي بقِنَّسْرين (٣)، وبايع له ناتل (٤) بن قيس بفلسطين وأخرج منها رَوْح بن زنباع الجُذَامي. فلم يزل عبيد اللَّه بن زياد والحُصَين بن نُمير بمروان بن الحكم حتى ثنياه عن رأيه، وحذراه من دخول سلطان ابن الزبير وملكه إلى الشام، وقالا له: أنت شيخ قريش وسيدُها، فأنت أحقُّ بهذا الأمر. [فرجع عن البيعة لابن الزبير. وخاف ابن زياد الهلاك إن تولَّى غير بني أمية، فعند ذلك] (٥) التفَّ هؤلاء كلُّهم مع قومه بني أمية ومع أهل اليمن على مروان، فوافقهم على ما أرادوا، وجعل يقول: ما فات شيء.


(١) "استوسق": انضم وأطاع.
(٢) وستأتي ترجمته لاحقًا.
(٣) "قنسرين": بلدة قريبة من حلب.
(٤) تحرف في أ، ط إلى: نائل، وفي ب إلى: بابل وما أثبتناه من ترجمته في مختصر تاريخ دمشق (٢٦/ ٩٦) وغيره.
(٥) ما بين حاصرتين سقط من أ، ب.