للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ثم دخلت سنة إحدى ومئتين]

فيها: راود أهل بغداد منصور بن المهدي على الخلافة فامتنع من ذلك، فراودوه على أن يكون نائبًا للمأمون يدعو له في الخطبة، فأجابهم إلى ذلك، وذلك بعد إخراج أهل بغداد عليَّ بن هشام نائب الحسن بن سهل من بين أظهرهم، فجرت حروب كثيرة بسبب ذلك.

وفي هذه السنة عمَّ البلاء بالعيّارين، والشطّار والفسّاق ببغداد وما حولها من القرى، فكانوا يأتون الرجل يسألونه مالًا يقرضهم أو يصلهم به، فيمتنع عليهم فيأخذون جميع ما في منزله، وربما تعرَّضوا للغلمان والنسوان، ويأتون أهل القرية فيستاقون من الأنعام والمواشي، ويأخذون ما شاؤوا من الغلمان والنسوان، وانتهبوا أهلَ قُطْرُبُّلَ (١) ولم يَدعوا لهم شيئًا أصلًا، فانتُدِب رجلٌ يقال له: خالد الدريوش، وآخر يقال له: سهل بن سلامة، أبو حاتم الأنصاري، من أهل خراسان. والتفَّ عليهما جماعة من العامة (٢) فردُّوا شرهم وقاتلوهم وقووا عليهم ومنعوهم من العيث في الأرض فسادًا، واستقرَّت الأمور كما كانت، وذلك في شعبان ورمضان، وللَّه الحمد والمنَّة (٣).

وفي هذه السنة في شوال منها رجَعَ الحسنُ بن سهل إلى بغداد وصالَحَ الجندَ، وانفصل منصور بن المهدي ومن التفَّ معه من الأمراء.

وفي هذه السنة بايع المأمون لعلي الرِّضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين الشهيد بن علي بن أبي طالب أن يكون وليَّ العهد من بعده، وسمَّاه الرِّضا من آل محمد ، وطَرَحَ لبسَ السواد ولبِسَ الخُضْرَةَ، وألزم جنده بذلك، وكت به إلى الآفاق والأقاليم. وكانت مبايعتُه له يوم الثلاثاء لليلتين خلتا من شهر رمضان من سنة إحدى ومئتين، وذلك أن المأمون رأى أنَّ عليًا الرِّضا خيرُ أهلِ البيتِ، وليس في بني العباس مثلُه في علمه (٤) ودينه، فجعله وليَّ عهدِهِ من بعده.


(١) في أ: قرطبل، والمثبت من ظا، ط. و"قُطْرُبُّل": اسم قرية بين بغداد وعُكْبَرا، ينسب إليها الخمر، وما زالت متنزهًا للبطالين وحانة للخمارين، وقد أكثر الشعراء من ذكرها. ياقوت.
(٢) في أ: من الأعيان.
(٣) الخبر في تاريخ الطبري (٨/ ٥٥١) والكامل لابن الأثير (٦/ ٣٢٤).
(٤) في أ، ط: عمله، والمثبت من ظا، ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>