للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله (١):

الصَّمْتُ أمْنٌ مِنْ كُلِّ نازلةٍ … مَنْ نالَهُ نَالَ أفْضَلَ القِسَمِ

ما نزلَتْ بالرِّجالِ نازِلةٌ … أعظمُ ضُرًّا من لَفْظةٍ بِفَمِ

عثرةُ هذا اللِّسانِ مُهلكةٌ … ليسَتْ لدينا كَعَثْرةِ القَدَمِ

احفظ لسانًا يُلقيك في تَلَفٍ … فَرُبَّ قولٍ أذَلَّ ذا كَرَمِ

فصل (٢)

اختلف النَّاس أيُّما أفضل: الغنيُّ الشاكر، أو الفقير الصَّابر؟ على قولين مشهورين. وقيل: هما سواء. وقيل: أفضلهما أتقاهما لله فيما هو فيه، فإن استويا فهما سواء. وقد سئل أبو علي الدَّقَّاق عن هذه المسألة؟ فقال: الغنيُّ أفضلُ؛ لأنَّ الغني من صفات الله تعالى؛ قال الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [فاطر: ١٥] قال: ولكن الغنيَّ الذي يكون واثقًا بما عند الله لا بما في يديه، يعني: ما قاله رسولُ الله في الحديث المتَّفق عليه: "ليس الغِنَى عن كثرة العَرض، إنَّما الغِنى غنَى النَّفسِ" (٣). وما أحسن ما قال بعضهم:

غنيتُ بلا مالٍ عن النَّاسِ كلِّهم … وإنَّ الغنَى العالي عن الشيء لا بهِ

وقال الآخر:

وإذا تذلَّلَتِ الرِّقابُ تواضُعًا … منَّا إليك فعزُّها في ذُلِّها

وقال الآخر:

تقنَّعْ بما يكفيكَ واستعمل الرِّضا … فإنَّك لا تَدري أتصبحُ أمْ تمسي

فليس الغنَى عن كثرةِ المالِ إنَّما … يكون الغِنَى والفقرُ مِن قبل النَّفْسِ


(١) تاريخ دمشق لابن عساكر (المجلد ٢/ الورقة ١٨٤). ومختصره لابن منظور (٤/ ١٤).
(٢) هذا الفصل من زيادات النسخة الأحمدية، ولعلها من الناسخ، وأثبتها حفاظًا على الأصل المعتمد.
(٣) رواه البخاري (١١/ ٢٣١ و ٢٣٢) في الرقاق، باب الغنى عن النفس؛ ومسلم رقم (١٠٥١) في الزكاة، باب ليس الغنى عن كثرة العرض. ورواه أيضًا الترمذي رقم (٢٣٧٣) في الزهد، باب ما جاء أن الغنى غنى النفس.

<<  <  ج: ص:  >  >>