للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومُلَخَّصُ ذلك أنّ من الناس من زَعَم أنّ الصَّحابة جَلَسوا لأمْرِه المُتَقَدِّم، وإنما استمرّ أبو بكر قائمًا لأجل التَّبليغِ عنه . ومن الناس من قال: بل كان أبو بكر هو الإمام في نفسِ الأمر كما صرَّح به بعضُ الرواةِ كما تقدَّم، وكان أبو بكر لشدّةِ أدَبه مع الرسول لا يُبادِرُه بل يَقْتَدي به، فكأنَّه ، صار إمام الإمام، فلهذا لم يجلسوا لاقتدائهم بأبي بكر، وهو قائم، ولم يجلس الصديق لأجل أنّه إمامٌ، ولأنه يُبَلِّغُهم عن النَّبِيِّ الحركاتِ والسَّكناتِ والانتقالاتِ، واللَّه أعلم. ومنَ النّاسِ منْ قال: فَرْقٌ بينَ أن يبتدئ الصلاةَ خلفَ الإمام في حالِ القيامِ فَيَسْتَمرّ فيها قائمًا، وإن طرأ جلوسُ الإمام في أثنائها كما في هذه الحال، وبين أن يَبْتدئ الصلاةَ خلفَ إمام جالسٍ، فيجبُ الجلوسُ للحديثِ المتقدِّم واللَّه أعلم. ومنَ النّاسِ منْ قال: هذا الصَّنيعُ والحديثُ المُتَقَدِّم دليلٌ على جوازِ القيامِ والجلوسِ، وإنَّ كُلًّا منهما سائغٌ جائزٌ، الجلوسُ لما تقدَّم، والقيامُ للفعلِ المُتأخّر. واللَّه أعلم.

(فَصْلٌ في كَيفيَّة) (١) احْتِضارِهِ وَوَفاتِهِ

قال الإمام أحمد (٢): ثنا أبو معاوية، ثنا الأعمش، عن إبراهيم التَّيْمي، عن الحارثِ بن سُوَيْدٍ، عن عبد اللَّه -هو ابن مسعود- قال: دَخَلْتُ على النَّبِيّ -وهو يُوعكُ فَمسِستُه، فقلت: يا رسولَ اللَّه، إنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شديدًا. قال: أجل، إني أُوعَكُ كما يُوعَكُ الرَّجلان منكم. قلت: إنَّ لكَ أجْرَيْن. قال: "نعم، والذي نفسي بيده، ما على الأرض مسلمٌ يُصيبُهُ أذًى من مَرَضٍ فما سواه، إلَّا حطَّ اللَّه عنه به خَطاياه، كما تَحُطُّ الشَّجرةُ وَرَقَها". وقد أخرجه البخاري (٣) ومسلم (٤) من طرقٍ متعددةٍ، عن سليمانَ بن مهران الأعْمش به. وقال الحافظ أبو يَعْلى الموصليّ في "مسنده": ثنا إسحاق بن أبي إسرائيل، ثنا عبد الرزاق، أنبأنا مَعْمَر، عن زيدِ بن أسْلَم، عن رجل، عن أبي سعيد الخُدْري، قال: وضع يده على النَّبِيّ فقال: واللَّهِ ما أطيقُ أن أضعَ يدي عليك من شدّة حُمَّاك. فقال النَّبِيُّ : "إنّا معشرَ الأنبياء يُضاعفُ لنا البلاءُ، كما يضاعَفُ لنا الأجرُ، إن كان النَّبِيُّ من الأنبياء لَيُبْتَلَى بالقَمل حتى يقتله، وإن كانَ الرجل ليُبْتَلَى بالعُرْي حتى يأخُذَ العَباءَةَ فيُجَوّبَها (٥)، وإن كانوا ليَفْرحون بالبلاء كما


(١) ليس ما بين القوسين في ط.
(٢) مسند الإمام أحمد (١/ ٣٨١).
(٣) البخاري (٥٦٤٧، ٥٦٤٨، ٥٦٦٠، ٥٦٦١، ٥٦٦٧).
(٤) مسلم (٢٥٧١).
(٥) يجوّبها: يقطع وسطها (النهاية: جوب).