للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ﴾ [الأعراف: ٩٣] أي: أعرضْ عنهم مُولّيًا عن محلَّتهم بعد هلكتهم قائلًا: ﴿يَاقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ﴾ [الأعراف: ٩٣] أي: قد أدَّيْتُ ما كان واجبًا عليّ من البلاغ التامِّ والنُّصْح الكامل، وحرصتُ على هدايتكم بكلِّ ما أقدرُ عليه، وأتوصّل إليه، فلم ينفعْكم ذلك، لأن الله لا يهدي منْ يُضلُّ، وما لهم من ناصرين، فلستُ أتأسَّف بعد هذا عليكم، لأنكم لم تكونوا تقبلونَ النصيحةَ، ولا تخافونَ يومَ الفضيحة، ولهذا قال: ﴿فَكَيْفَ آسَى﴾ أي: أحزن ﴿عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ﴾ أي: لا تقبلون الحقَّ ولا ترجعون إليه، ولا تلتفتونَ، فحلَّ بهم من بأسِ اللّه الذي لا يُردُّ ما لا يُدافَعُ ولا يُمانَعُ، ولا محيد لأحدٍ أريد به عنه ولا مناص (١) منه.

وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في تاريخه (٢): عن ابن عباس؛ أن شعيبًا كان بعد يوسف .

وعن وَهْب بن مُنَبِّه (٣) أنَّ شُعيبًا ماتَ بمكَّة ومنْ معه من المؤمنينَ، وقبورهم غربيّ الكعبة بين دار النَّدْوة ودار بني سَهْم.

* * *

باب ذكر ذريّة إبراهيم (٤)

قد قدَّمنا قصَّته مع قومه وما كان من أمرهم، وما آلَ إليه أمره والتحيَّة والإكرام، وذكرنا ما وقعَ في زمانهِ من قصَّة قوم لوط، وأتبعنا ذلك بقصَّة مدينَ قوم شعيب ؛ لأنها قرينتها في كتاب اللّه ﷿ في مواضعَ مُتعدِّدة، فذكرَ تعالى بعدَ قِضَة قومِ لوط قصَّة مدينَ، وهم أصحابُ الأيكة على الصحيح، كما قدَّمنا، فذكرناها تبعًا لها اقتداء بالقرآن العظيم.

ثم نشرعُ الآن في الكلام على تفضيل ذرِّيَّة إبراهيم ، لأنَّ اللّه جعلَ في ذريَّته النبوةَ والكتابَ، فكلُّ نبيٍّ أُرسلَ بعدَه فمن وَلَده.


(١) كذا في الأصول، وفي المطبوع: ولا مناص عنه، ومعنى: لا مناص: لا رجعة ولا عودة.
(٢) أخرجه ابن عساكر في تاريخه، كما في المختصر (١٠/ ٣٠٨).
(٣) أخرجه ابن عساكر في تاريخه، كما في المختصر؛ لابن منظور (١٠/ ٣١٤).
(٤) كذا في ب، وفي أ: والتسليم.