للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسجد؛ حتى ذُكِرَ أنَّهم كانوا يقذرون في جنياتِ المسجد، وقد اقتتلوا مع المسوِّدَة مرَّات، فقُتل من هؤلاء وهؤلاء. ثم ارتحل إلى مكة فأقام بها إلى زمن الحجّ، فبعث إليه الهادي جيشًا، فقاتلوه بعدَ فراغِ الناسِ من الموْسِم، فقتلوه وفتلوا طائفةً من أصحابه، وهرَب بقيتُهم وتفرَّقوا شَذَرَ مَذَر. فكان مُدَّةُ خروجِه إلى أن قُتل تسعةَ أشهرٍ وثمانيةَ عشرَ يومًا. وقد كان كريمًا في أجودِ الناس، دخل يومًا على المهدي، فأطلق له أربعينَ ألفَ دينار، ففرَّقها في أهلِهِ وأصدقائِهِ من أهلِ بغدادَ والكوفة، ثم خرج من الكوفة وما عليه قميص، إنما كان فَرْوة، وليس تحتها قميص.

وفيها حجَّ بالناسِ سليمان بن أبي جعفر، عمُّ الخليفة، وغزا الصائفةَ من طريقِ دَرْبِ الرَّاهب معتوق بن يحيى، في جَحْفَلٍ كثيف، وقد أقبلتِ الرُّوم مع بِطْرِيقِهَا، فبلغوا الحدَث.

وفيها تُوفي:

الحسين بن علي بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب، قُتل في أيامِ التشريق. كما تقدم.

والربيع بن يونس الحاجب مولى المنصور، وكان حاجبَهُ ووزيرَه، وقد وَزَرَ للمهدي والهادي، وكان بعضهم يطعنُ في نسبه، وقد أورد الخطيبُ في ترجمتِهِ حديثًا من طريقه، ولكنه مُنكر؛ وفي صحتِه عنه نَظَر. وقد وَليَ الحُجُوبيَّةَ بعدَهُ ولدُهُ الفضلُ بن الربيع، ولَّاه إياها الهادي.

[ثم دخلت سنة سبعين ومئة من الهجرة النبوية]

وفيها عزَمَ الهادي على خَلْعِ أخيه هارونَ الرشيدِ من الخلافةِ وولايةِ العَهْد لابنِهِ جعفر بن الهادي، فانقادَ هارونُ لذلك، ولم يظهرْ عليه منازعة، بل أجاب، واستدعى الهادي جماعةً من الأمراء فأجابوهُ إلى ذلك، وأبَتْ أمُّهما الخَيْزُران، وكانت تميلُ إلى ابنِها هارون أكثرَ من موسى، وكان الهادي قد منعَها من التصرُّف في شيءٍ من المملكةِ لذلك بعدَما كانتْ قد استحوذَتْ عليه في أول ولايتِهِ؛ وانقلبتِ الدولُ إلى بابِها والأُمراء إلى جانبها؛ فحلف الهادي لئن عاد أميرٌ إلى بابها ليضربَنَ عُنقه ولا يقبَلُ منه شفاعة. فامتنعتْ من الكلام في ذلك، وحلفَتْ لا تكلِّمُه أبدًا، وانتقلَتْ عنه إلى مَنْزلٍ آخر، وألحَّ هو على أخيه هارون في الخَلْع، وبعث إلى يحيى بن خالد بن بَرْمَك، وكان من أكابرِ الأمراء الذين هم في صفّ الرشيد، فقال له: ماذا ترى فيما أريد من خلع هارون وتوليةِ ابني جعفر؟ فقال له يحيى بن خالد: إنِّي أخشى أن تَهُونَ الأيمانُ على الناس، ولكنَّ المصلحةَ تقتضي أنْ تجعلَ جعفرًا وليَّ العهد من بعدِ هارون، وأيضًا فإنِّي أخشَى أنْ لا يُجيب أكثرُ الناسِ إلى البيعةِ لجعفر لأنه دون البلوغ، فيتفاقَمُ الأمرُ ويختلفُ الناس، فأطرَقَ مليًّا، وكان ذلك ليلًا، ثم أمر بسَجْنِه، ثم أطلقَه، وجاء يومًا إليه أخوهُ هارون الرشيد، فجلس عن يمينه بعيدًا، فجعل الهادي ينظرُ إليه مليًّا ثم قال: يا هارون، تطمعُ أنْ تكونَ وليًّا للعَهْد حقًّا؟ فقال:

<<  <  ج: ص:  >  >>