للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذه إحدى الثلاث التي أوصاني بها صاحبي. فأخذت سهمًا من جعبتي فكتبته في جلد سيفي، ثم إنه ناول الصحيفة رجلًا عن يساره، قلت: من صاحب كتابكم الذي يقرأ لكم؟ قالوا: معاوية. فإذا في كتاب صاحبي: تدعوني إلى جنةٍ عرضها السماوات والأرض أُعدَّت للمتقين، فأين النار؟ فقال رسول الله : "سبحان الله! أين الليل إذا جاء النهار؟! " قال: فأخذت سهمًا من جعبتي فكتبته في جلد سيفي. فلما أن فرغ من قراءة كتابي، قال: "إن لك حقًا وإنك رسول، فلو وجدتَ عندنا جائزةً جوَّزناك بها، إنَّا سَفْرٌ مرملون". قال: فناداه رجلٌ من طائفة الناس، قال: أنا أجوِّزه. ففتح رحله، فإذا هو يأتي بحلةٍ صفُوريَّةِ فوضعها في حَجري، قلت: من صاحب الجائزة؟ قيل لي: عثمان. ثم قال رسول الله: "أيُّكم ينزل هذا الرجل؟ " فقال فتى من الأنصار: أنا. فقام الأنصاريُّ وقمت معه حتى إذا خرجت من طائفة المجلس ناداني رسول الله فقال: "تعال يا أخا تنوخ". فأقبلت أهوي إليه حتى كنت قائمًا في مجلسي الذي كنت بين يديه، فحلَّ حُبوته عن ظهره، وقال: "ها هنا امض لما أمرت به". فجُلت في ظهره، فإذا أنا بخاتمٍ في موضع غضون الكتف مثل الحَجمة الضخمة. هذا حديثٌ غريبٌ، وإسناده لا بأس به، تفرَّد به الإمام أحمد.

* * *

ذكر مصالحته، ، مَلِكَ أَيْلَة وأهل جَرْبَاء وأَذْرُحَ وهو مُخَيِّمٌ على تَبُوك قبل رجوعه

قال ابن إسحاق (١): ولما انتهى رسول الله إلى تبوك أتاه يُحَنَّة بن رُؤبة صاحب أَيلة، فصالح رسول الله وأعطاه الجزية، وأتاه أهل جرباء وأذرح فأعطوه الجزية، وكتب لهم رسول الله كتابًا فهو عندهم، فكتب ليُحَنَّة بن رُؤبة وأهل أيلة: "بسم الله الرحمن الرحيم، هذه أمنةٌ من الله ومحمدٍ النبيِّ رسول الله ليُحَنَّة بن رؤبة وأهل أيلة، سُفنهم وسيَّارتهم في البرِّ والبحر، لهم ذمَّة الله ومحمدٍ النبيِّ ومن كان معهم من أهل الشام وأهل اليمن وأهل البحر، فمن أحدث منهم حدثًا فإنه لا يحول ماله دون نفسه، وإنه طَيِّبٌ لمن أخذه من الناس، وإنه لا يحلُّ أن يمنعوه ماءً يرِدونه ولا طريقًا يردونه من برٍّ أو بحرٍ".

زاد يونس بن بكيرٍ (٢)، عن ابن إسحاق بعد هذا: وهذا كتابُ جُهيم بن الصَّلت وشرحبيل بن حسنة بإذن رسول الله.


(١) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٥٢٥).
(٢) انظر "دلائل النبوة" للبيهقي (٥/ ٢٤٨).