للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فمنهم من حرَّقَهُ بالنار، ومنهم من رَضَخهُ بالحجارة، ومنهم من رَمَى به من شواهقِ الجبال، كلّ هذا ليعتبرَ بهم من يسمعُ بخبرهم من مُرْتدَّةِ العرب، .

وقال الثوري عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب قال: لما قدم وفد بُزَاخة - أسد وغطفان - على أبي بكر يسألونه الصلحَ، خَيَّرهم أبو بكر بين حرب مجليَّة أو خطة مخزية، فقالوا: يا خليفة رسول الله أما الحرب المجليَّة فقد عرفناها، فما الخطة المخزية؟ قال: تؤخذ منكم الحلقة والكراع وتتركون أقوامًا يتبعون أذناب الإبل حتى يُرِيَ اللهُ خليفة نبيه والمؤمنين أمرًا يعذرونكم به، وتؤدّون ما أصبتم منا، ولا نؤدي ما أصبنا منكم، وتشهدون أنّ قتلانا في الجنة وأن قتلاكم في النار، وتدون قتلانا ولا ندي قتلاكم، فقال عمر: أما قولك: تدون قتلانا، فإنّ قتلانا قتلوا على أمر الله لا ديات لهم، فامتنع عمر وقال عمر في الثاني: نعم ما رأيت.

ورواه البخاري (١) من حديث الثوري بسنده مختصرًا.

[وقعة أخرى]

كان قد اجتمع طائفةٌ كثيرةٌ من الفُلَّال (٢) يوم بُزاخة من أصحاب طُلَيْحة، من بني غطفان فاجتمعوا إلى امرأةٍ يُقال لها: أم زمل - سلمى بنت مالك بن حذيفة - وكانت من سيِّداتِ العرب، كأمِّها أمّ قِرفة، وكان يُضربُ بأمها المثلُ في الشَّرفِ لكثرةِ أولادها (٣) وعزَّةِ قَبيلتها وبيتها، فلما اجتمعوا إليها ذمرتْهم لقتال خالد، فهاجوا لذلك، وتأشَّب (٤) إليهم آخرون من بني سليم وطيِّئ وهوازن وأسد، فصاروا جيشًا كثيفًا وتفحَّل أمرُ هذه المرأة، فلما سمعَ بهم خالد بن الوليد سار إليهم، واقتتلوا قتالًا شديدًا وهي راكبةٌ على جملِ أمِّها الذي كانَ يُقال له: منْ يَمسُّ جَمَلها فله مئةٌ من الإبلِ وذلك لعزِّها، فهزمهم خالدٌ وعقرَ جَمَلها وقتلَها وبعثَ بالفتح إلى الصِّدّيق .

قصة الفجاءة (٥)

واسمه إياسُ بن عبد الله بن عَبد يا ليل بن عميرة بن خفاف من بني سليم، قاله ابن إسحاق، وقد كان الصّدّيق حرقَ الفجاءةَ بالبقيع في المدينة، وكان سببه أنَّه قدمَ عليه فزعمَ أنه أسلمَ، وسأل منه أن يجهز معه


(١) صحيح البخاري (٧٢٢١) في الأحكام.
(٢) هم قوم فُلٌّ: منهزمون، والجمع فُلول وفُلال. اللسان (فلل). والخبر في تاريخ الطبري (٣/ ٢٦٧) والكامل لابن الأثير (٢/ ٣٥٠).
(٣) ذكر الطبري أولادها: قُرَفة وحَكَمة وجُراشة وزِمْلًا وحُصينًا وشَريكًا وعبدًا وزُفَر ومُعاوية وحمَلة وقَيسًا ولأيًا.
(٤) تأشب: التجأ.
(٥) الخبر بأطول مما هنا في تاريخ الطبري (٣/ ٢٦٤) والكامل لابن الأثير (٢/ ٣٥٠).