للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القُطْن، وصاحوا: يا حاكم يا منصور، وبلغ ذلك الخليفة، فغضب، وبعث أعوان لنصرة أهل السُّنَّة، فحرقت دور كثيرة من دور الشيعة، وجَرَت خطوبٌ شديدة، وبعث عميد الجيوش إلى بغداد لينفي عنها ابنَ المعلم، فأخرج، ثم شفع فيه، ومنعت القُصَّاص من التعرُّض للفتن والسؤال باسم أحدٍ من الصحابة، وعاد الشيخ أبو حامد إلى داره على عادته (١).

وفي شعبان زلزلت الدِّينور زلزالًا شديدًا، سقطت منها دور كثيرة وهلك تحت الهدم ستة عشر ألفًا غير من ساخت به الأرض، وهلك للنَّاس شيء كثيرٌ من الأثاث والأمتعة، وهَبَّتْ ريح سوداء شديدة بدقوقاء وتكريت وشيراز، فقلعت كثيرًا من المنازل والنخيل والزيتون، وقتلت خلقًا كثيرًا، وسقط بعض شيراز، ووقعت رجفة بشيراز غرق بسببها مراكب كثيرة في البحر. ووقع بواسط بَرَدٌ زِنةُ الواحدة مئة دِرْهم وستة دراهم.

ووقع ببغداد في رمضان -[وذلك] (٢) في أيَّار- مَطَرٌ عظيم سألت منه المزاريب.

تخريب قمامة [في هذه السنة] (٣)

وفيها أمر الحاكم العُبيدي بتخريب قُمامة كنيسة البيت المقدَّس، وأباح للعامة ما كان فيها من الأموال والأمتعة وغير ذلك؛ وكان سبب ذلك ما أنهي من البهتان الذي يتعاطاه النَّصارى في يوم الفصح من النَّار التي يحتالون لها، بحيث يتوهم الأغمار من جهلتهم أنها نزلت من السماء، وإنما هي مصنوعة بدهن البلسان في خيوط رفاع مدهونة بالكبريت وغيره، بالصنعة اللطيفة التي تروج على الطَّغَام منهم والعوام، وهم إلى الآن يستعملونها في ذلك المكان بعينه. وكذلك أمر بهدم عِدَّة كنائس في هذه السنة ببلاد مصر، ونودي في النَّصارى [بمصر] (٤): من أحبَّ الدُّخول في دين الإسلام دخل (٥)، ومن لا يدخل فليرجع


(١) لما رأى عثمان حَرْقَ المصاحف ما عدا المصحف الذي بعث بنسخه إلى الآفاق، ووافقه على ذلك الصحابة امتنع ابن مسعود من تسليم مصحفه، وقال لأصحابه: غُلوا مصاحفكم. ثم قال على سبيل الإنكار: من هو الذي تأمرونني أن آخذ بقراءته وأترك مصحفي الذي أخذته من في رسول اللَّه ؟ وكان هذا رأيًا منه انفرد به عن الصحابة، وخفي عليه الوجه الذي ظهر لهم من المصلحة التي هي أعظم ما حفظ اللَّه به القرآن الكريم من الاختلاف المخل به والتغيير بالزيادة والنقص.
ويبدو أن حادثة الحرق وقعت غير مرة، فقد ذكر القرطبي في المفهم (خ) ٤/ ٣٩/ ٢) أن مصحف ابن مسعود وجد في خزائن بني عبيد بمصر عند انقراض دولتهم، فأمر صدر الدين قاضي الجماعة بإحراقه، وهذا يفسر تعدد النسخ التي أخفيت منه. وانظر شرح مسلم للنووي (٥/ ٣٢٥).
(٢) ما بين حاصرتين من (ب) و (ط).
(٣) ما بين حاصرتين من (ط).
(٤) ما بين حاصرتين من (ب).
(٥) في (ح): ونادى أنه من أحب الدخول في بلاد الإسلام، فليدخل في دين الإسلام، والمثبت من (ب) و (ط).

<<  <  ج: ص:  >  >>