للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[القول فيما أوتي داود ]

قال الله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (١٧) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (١٨) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ﴾ [ص: ١٧ - ١٩] وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (١٠) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [سبأ: ١٠ - ١١] وقد ذكرنا في قصته وفي التفسير، طيب صوته ، وأن الله تعالى كان قد سخر له الطير تُسبِّحُ معه، وكانت الجبالُ أيضًا تُجيبه وتُسبِّح معه، وكان سريع القراءة، يأمر بدوائه فتسرج فيقرأ الزبور بمقدار ما يفرغ من شأنها ثم يركب، وكان لا يأكل إلا من كسب يده، صلوات الله وسلامه عليه، وقد كان نبينا محمّد حسنَ الصوت، طَيِّبَه بتلاوة القرآن، قال جُبير بن مطعم: قرأ رسول الله في المغرب بالتين والزيتون، فما سمعتُ صوتًا أطيبَ من صوته (١). وكان يقرأ ترتيلًا كما أمره الله ﷿ بذلك. وأما تسبيحُ الطير مع داودَ، فتسبيحُ الجبال الصُّمَ أعجبُ من ذلك، وقد تقدَّم في الحديث أن الحصى سبَّحَ في كفِّ رسولِ الله ، قال ابن حامد: وهذا حديث معروف مشهور، وكانت الأحجارُ والأشجارُ والمَدَرُ تُسلِّم عليه .

وفي صحيح البخاري (٢): عن ابن مسعود قال: لقد كنَّا نسمعُ تسبيحَ الطَّعام وهو يُؤكل - يعني بين يدي النبيِّ .

وكلَّمه ذراع الشاة المسمومة، وأعلمَه بما فيه من السُّمِّ، وشهدت بنبوته الحيواناتُ الإنسية والوحشية، والجماداتُ أيضًا، كما تقدَّم بسط ذلك كله، ولا شكَّ أن صدورَ التسبيح من الحصى الصِّغار الصُّمِّ التي لا تجاويفَ فيها، أعجبُ من صدور ذلك من الجبال، لما فيها من التجاويف والكهوف، فإنها وما شاكلَها تُردِّدُ صدَى الأصواتِ العالية غالبًا، كما كان عبد الله بن الزبير إذا خطبَ - وهو أميرُ المؤمنين بالحرم الشريف - تُجاوبُه الجبال، أبو قبيس وزرود (٣)، ولكن من غير تسبيح، فإن ذلك من معجزات داود . ومع هذا فتسبيح الحصى في كفّ رسول الله وأبي بكر وعمر وعثمان، أعجب. وأما أكلُ داود من كسب يده، فقد كانَ رسولُ الله ، يأكلُ من كسبه أيضًا، كما كان يرعى غنمًا لأهل مكة على قراريط. وقال: "ما من نبي إلا وقد رعى الغنمَ" (٤). وخرجَ إلى الشام في تجارة لخديجة مضاربةً، وقال الله تعالى: ﴿وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ


(١) رواه البخاري في الصلاة (٧٦٩) باب الجهر في العشاء، ومسلم (٤٦٥) (١٧٧) في الصلاة، باب القراءة في العشاء، عن البراء بن عازب ، وصوابه: قرأ في العشاء.
(٢) رواه البخاري في المناقب (٣٥٧٩) باب علامات النبوة في الإسلام.
(٣) لم أجد في جبال مكة جبلًا بهذا الاسم.
(٤) رواه البخاري في الإجارة (٢٢٦٢).