للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دخل يومًا على عبد الملك بن مروان بحضرة الحكم بن أبي العاص، فشكا إليه أن ابنه الوليد يحتقر أخاه عبد اللّه بن يزيد، فقال عبد الملك: ﴿إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً﴾ [النمل: ٣٤] فقال له خالد: ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (١٦)[الإسراء: ١٦] فقال عبد الملك: واللّه لقد دخل عليّ أخوك عبد اللّه فإذا هو لا يقيم اللَّحن، فقال خالد: والوليد لا يقيم اللَّحن، فقال عبد الملك: إن أخاه سليمان لا يلحن، فقال خالد: وأنا أخو عبد اللّه لا ألحن، فقال الوليد - وكان حاضرًا - لخالد بن يزيد: اسكت، فواللّه ما تُعدُّ في العير ولا في النفير، فقال خالد: اسمع يا أمير المؤمنين! ثم أقبل خالد على الوليد فقال: ويحك وما هو العير والنفير غير جدي أبي سفيان صاحب العير، وجدي عتبة بن ربيعة صاحب النفير، ولكن لو قلت غُنيمات وحُبيلات والطائف، ورحم اللّه عثمان، لقلنا صدقت - يعني أن الحكم كان منفيًا بالطائف يرعى غنمًا ويأوي إلى حُبيلة (١) الكرم حتى آواه عثمان بن عفان حين ولي - فسكت الوليد وأبوه ولم يحيرا جوابًا، واللّه سبحانه أعلم.

[ثم دخلت سنة ست وثمانين]

ففيها غزا قتيبة بن مسلم نائب الحجاج على مرو وخراسان، بلادًا كثيرة من أرض الترك وغيرهم من الكفار، وسبى وغنم وسلم وتسلَّم قلاعًا وحُصونًا وممالك، ثم قَفل فسبق الجيش، فكتب إليه الحجاج يلومه على ذلك ويقول له: إذا كنت قاصدًا بلاد العدو فكن في مقدمة الجيش، وإذا قفلت راجعًا فكن في ساقة جيشك - يعني لتكون ردءًا لهم من أن ينالهم أحد من العدو وغيرهم بكيد - وهذا رأي حسن وعليه جاءت السنة، وكان في جملة السبي امرأة برمك (٢) - والد خالد بن برمك - فأعطاها أخاه عبد اللّه بن مسلم فوطئها فحملت منه، ثم إن قتيبة منَّ على السبي وردت تلك المرأة على زوجها برمك وهي حبلى من عبد اللّه بن مسلم، وكان ولدها عندهم حتى أسلموا فقدموا معهم أيام بني العباس كما سيأتي. [ولما رجع قتيبة إلى خراسان تلقاه ملك الصغانيان (٣) بهدايا عظيمة، ومفتاح من ذهب] (٤). وفيها كان


(١) حُبيلة - بالضم -: الكرمة. القاموس (حبل)
(٢) برمك: هو جد البرامكة الذين استحوذوا على الأمور في عهد الخليفة هارون الرشيد العباسي، ثم نكب بهم، وكان هو كبير سدنة بيت النار - النوبهار - في بلخ، والذي تقدسه المجوس.
(٣) في ط: دهاقين بلغار، وهذا خطأ، والتصحيح من الطبري (٦/ ٤٢٤ - ٤٢٥) والخبر فيه أوسع مما هنا، وابن الأثير (٤/ ٥٢٣) وتاريخ الإسلام (حوادث سنة ٨١ - ١٠٠/ ص ٢٥).
(٤) ما بين معكوفين زيادة من ط.