للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال: قد أفلح منْ عُصم من المِرَاء والغضَب والطمع.

وقال لرجل: منْ سيَّدُ قومك؟ قال: أنا. قال: لو كنتَ كذلك لم تقلْه.

وقال: أزهدُ الناس في الدنيا عليُّ بن أبي طالب.

وقال: لقد بورك لعبدٍ في حاجةٍ أكثرَ فيها سؤالَ ربِّه، أُعطي أو مُنع (١).

وقال: قَيَّدوا العلم بالكتاب.

وقال لرجُل: علِّمْ ولدَك الفقه الأكبر: القناعةَ وكفَّ الأذى. وتكلَّم رجلٌ عنده فأحسن، فقال: هذا هو السحرُ الحلال.

وقصَّتُه مع أبي حازم مطوَّلةٌ حين رآه خليفة وقد شَحُبَ وجهُه من التقشُّف: وتغيَّرَ حالُه، فقال له: ألم يكنْ ثوبُك نقيًّا؟ ووجهُك وضيًّا؟ وطعامُك شهيًّا؟ ومركبك وطيًّا؟ فقال له: ألم تخبرْني عن أبي هريرة أنَّ رسول الله قال: "إنَّ من ورائكم عقبة كئودًا لا يجوزها إلَّا كلُّ ضامرٍ مَهْزولٍ"؟ ثم بكى حتى غُشي عليه. ثم أفاق فذكر أنه لقي في غشيته تلك أنَّ القيامة قد قامتْ، وقد استُدعي بكلٍّ من الخلفاء الأربعة، فأُمر بهم إلى الجنة، ثم ذكر من بينه وبينهم فلم ير ما صُنع بهم، ثم دُعي هو فأُمِرَ به إلى الجنة، فلما انفصل لقيه سائلٌ فسأله عما كان من أمره فأخبره، ثم قال للسائل: فمن أنت؟ قال: أنا الحجَّاج بن يوسف، قتلني ربِّي بكلِّ قتلة قتلة، ثم ها أنا أنتظر ما ينتظره الموحدودن (٢).

وفضائلُه ومآثرُه كثيرةٌ جدًّا. وفيما ذكرنا كفاية ولله الحمد والمنة، وهو حسبُنا ونعم الوكيل. ولا حول ولا قوة لنا إلا به.

[ذكر سبب وفاته ]

كان سببها السِّلّ، وقيل: سَبَبُها أنَّ مولًى له سمَّهُ في طعامٍ أو شراب، وأُعطي على ذلك ألف دينار، فحصل له بسبب ذلك مرض، فأخبر أنه مسموم، فقال: لقد علمتُ يوم سُقيت السُّم، ثم استدعَى مولاه الذي سقاه، فقال له: ويحك!! ما حملك على ما صنعت؟ فقال: ألفُ دينار أُعطيتها. فقال: هاتها، فأحضرَها فوضعها في بيت المال، ثم قال له: اذهبْ حيثُ لا يراك أحد فتهلِك. ثم قيل لعمر: تداركْ نفسَك، فقال: والله لو أنَّ شفائي أنْ أمسَّ شحمةَ أُذني أو أُوتى بطِيب فأشمَّه ما فعلتُ. فقيل له: هؤلاء بنوك - وكانوا اثني عشر - ألا تُوصي لهم بشيء فإنهم فقراء؟ فقال: ﴿إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى


(١) في (ب، ح): "لقد بورك لك في حاجة أكثرت فيها من الدعاء، أُعطيت أو مُنعت".
(٢) قصة عمر مع أبي حازم أوردها ابن عساكر في تاريخه، انظر مختصر ابن منظور (٢٨/ ٢٢٤) في ترجمة أبي حازم.

<<  <  ج: ص:  >  >>