في صفر منها دخل الخليفة المتوكّلُ إلى مدينة دمشق في أُبَّهَةِ الخلافة، وكان يومًا مشهودًا، فعزم على الإقامة بها، وأمَر بنقل دواوين الملك إليها، وأمر ببناء القصور بها، وهي التي بطريق داريًّا، ثم إنَّه استوخَمها، ورأى أنَّ هواءها باردٌ نَدِيّ، وماءها ثقيلٌ بالنسبة إلى هواء العراق ومائه، ورأى الهواء يتحرَّك من بعد الزوال في زمن الصيف، فلا يزالُ في اشْتِداد وغبارٍ إلى قريبٍ من ثلث الليل، ورأى كثرة البراغيث بها. ودخل عليه فصلُ الشتاء، فرأى من كثرة الأمطار والثلوج أمرًا عجيبًا، وغلَت الأسعار وهو بها، وانقطعت الأجلاب بسبب كثرة الشتاء والثلوج، فضجر منها.
فجهَّز بُغا إلى بلاد الروم، ثم رجع من آخر السَّنة إلى سامُرّاء بعدما أقام بدمشق شهرين وعشرة أيام، واللَّه أعلم.
وفي هذه السنة أتي المتوكل بالحربة التي كانت تُحمل بين يدي رسول اللَّه ﷺ يوم العيد وغيره، وقد كانت للنجاشيّ، فوهبها للزُّبير بن العوّام، فوهبها الزُّبيرُ من النَّبيّ ﷺ(٢)، فلمَّا صارت للمتوكل على اللَّه، فرح بها فرحًا شديدًا، وأمَر صاحبَ الشرطة أن يحملَها بين يديه كما كانت تحمل بين يدي رسول اللَّه ﷺ.
وفيها: غضبَ المتوكّلُ على الطبيب بَخْتَيشُوع (٣) ونفاه، وأخذ ماله.
وحجَّ بالناس فيها عبدُ الصمد المذكور قبلها.
واتفق في هذه السنة يومُ عيد الأضحى وعيد الفطير (٤) لليهود، وشعانين النصارى، وهذا عجيب (٥) غريب.