للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ينوّه (١) بهم راكبًا جملًا ويقود آخر. فقال: أيكم أبو الخيبري؟ قال: أنا. قال: إن حاتمًا أتاني في النوم فأخبرني أنه قرى أصحابَك ناقتك، وأمرني أن أحملك، وهذا بعيرٌ فخذه. ودفعه إليه (٢).

* * *

ذكر شيء من أخبَار عبد الله بن جدعان

هو عبد الله بن جُدْعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مُرَّة، سيد بني تيم، وهو ابن عم والد أبي بكر الصديق . وكان من الكرماء الأجواد في الجاهلية المطعمين للمسنتين (٣).

وكان في بدء أمره فقيرًا مُمْلِقًا، وكان شِرّيرًا يُكْثِر من الجنايات، حتى أبغضه قومُه وعشيرتُه وأهلُه وقبيلتُه، وأبغضوه حتى أَبُوه، فخرج ذات يوم في شِعاب مكة حائرًا بائرًا (٤)، فرأى شِقًا في جبل، فظن أن يكون به شيء يؤذي، فقصدَه لعلّه يموت فيستريح مما هو فيه، فلما اقترب منه إذا ثعبانٌ يخرج إليه ويَثِبُ عليه، فجعل يحيدُ عنه ويَثِبُ فلا يُغْني شيئًا، فلما دنا منه إذا هو من ذهب، وله عينان هما ياقوتتان، فكَسَره وأخذه، ودخل الغار فإذا فيه قبور لرجال (٥) من ملوك جُرهم، ومنهم الحارث بن مُضاض الذي طالت غيبتُه فلا يُدرَى أين ذهبَ، ووجد عند رؤوسهم لوحًا من ذهب فيه تاريخ وفاتهم ومُدَد ولايتهم، وإذا عندهم من الجواهر واللآلئ والذهب والفضة شيء كثير، فأخذ منه حاجتة (٦)، ثمّ خرج. وعَلَّم بابَ الغارِ ثم انصرف إلى قومه، فأعطاهم حتى أحَبّوه، وسادهم، وجعل يُطعم الناسَ، وكلما قَلَّ ما في يده ذَهَبَ إلى ذلك الغار فأخذ حاجته، ثمّ رَجَع (٧).

فممن ذكر هذا عبد الملك بن هشام في كتاب "التيجان" (٨).


(١) ينوّه: ينادي.
(٢) الخبر في الشعر والشعراء (١/ ٢٤٩)، ومروج الذهب (٢/ ١٦٢ - ١٦٣)، والأغاني (١٧/ ٢٨٧ - ٢٨٨ و ٣٠٠)، وخزانة الأدب (٣/ ١٢٩).
(٣) المسنتون: المجدبون. وقد ذكره ابن حبيب في المحبر (١٣٧ - ١٣٩) وعده من أجواد الجاهلية.
(٤) حائر بائر: لم يتجه لشيء، ولا يأتمر رُشْدًا، ولا يطيع مرشدًا. (القاموس).
(٥) زاد في ب: طوال.
(٦) في ب: ما يكفيه.
(٧) الخبر في الروض الأنف (١/ ١٥٩)، وفيه توضيح كيف اكتشف ابن جدعان أن الثعبان مصنوع وليس حقيقيًا.
(٨) عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري، مؤرخ عالم بالأنساب واللغة وأخبار العرب. وهو الذي هذّب كتاب السيرة لابن إسحاق. توفي سنة (٢١٣ هـ) وقيل: (٢١٨ هـ). وكتابه التيجان في ملوك حمير مطبوع. ترجمته في وفيات الأعيان (٣/ ١٧٧)، والأعلام (٤/ ١٦٦).