للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بها، وقطع أيديهم وأرجلهم، وألقاهم في الحرّة يستسقون فلا يسقون، حتى ماتوا ولم يحسمهم.

وفي رواية عن أنس، قال (١): فلقد رأيت أحدهم يكدم الأرض بفيه من العطش.

قال أبو قِلابة (٢): فهؤلاء قتلوا، وسرقوا، وكفروا بعد إيمانهم، وحاربوا اللّه ورسوله.

وقد روى البيهقيّ (٣) من طريق عُثمان بن أبي شَيبة، عن عبد الرحمن بن سليمان، عن محمد بن عبيد الله، عن أبي الزّبير، عن جابر، أن رسول اللّه لما بعث في آثارهم قال: "اللّهمّ عمّ عليهم الطريق، واجعلها عليهم أضيق من مَسك حمل". قال: فعمّى اللّه عليهم السبيل فأُدْرِكوا، فأُتي بهم رسول الله ، فقطع أيديهم وأرجلهم، وسَمَل أعينهم.

وفي "صحيح مسلم" (٤): إنما سملهم؛ لأنهم سَمَلوا أَعْيُنَ الرّعاء.

* * *

فصل فيما وقع من الحوادث في هذه السنة أعني سنة ستّ من الهجرة

* فيها نزل فرض الحجّ (٥)، كما قرّره الشافعيّ، ، زمن الحُديبية، في قوله تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٦]. ولهذا ذهب إلى أن الحجّ على التَّراخي لا على الفور؛ لأنه لم يحجّ إلَّا في سنة عشر. وخالفه الثلاثة؛ مالك وأبو حنيفة وأحمد، فعندهم أن الحجّ يجب على كل من استطاعه على الفور، ومنعوا أن يكون الوجوب مستفادًا من قوله [تعالى]: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾. وإنما في هذه الآية الأمر بالإتمام بعد الشروع فقط، واستدلوا بأدلة قد أوردنا كثيرًا منها عند تفسير هذه الآية من كتابنا "التفسير"، وله الحمد والمنة، بما فيه كفاية.

* وفي هذه السنة حرّمت المسلمات على المشركين؛ تخصيصًا لعموم ما وقع به الصلح عام الحُديبية


(١) يعني البخاري رقم (٥٦٨٥).
(٢) وذلك عقب نص الحديث رقم (٢٣٣) المتعلق بقصتهم من "صحيح البخاري".
(٣) في "دلائل النبوة" (٤/ ٨٨).
(٤) رقم (١٦٧١) (١٤).
(٥) والصحيح في السنة التاسعة أو العاشرة، وأما الآية الكريمة: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ فإنها وإن كانت قد نزلت سنة ست عام الحُديبية، فليس فيها فرضية الحج، وإنما فيها الأمر بإتمامه، وإتمام العُمرة بعد الشروع فيها، وذلك لا يقتضي وجوب الابتداء. وانظر "زاد المعاد" لابن قيم الجوزية (٢/ ١٠١) بتحقيق والدي وأستاذي المحدِّث الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، وزميله وأستاذي المحدث الشيخ شعيب الأرناؤوط - نفع الله بهما - طبع مؤسسة الرسالة.