للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[فصل]

قال الله تعالى: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ [القيامة: ١٦ - ١٩] وقال تعالى: ﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [طه: ١١٤] وكان هذا في الابتداء، كان من شِدَّةِ حِرْصِه على أخْذِهِ من المَلَكِ ما يوحيه إليه عن الله ﷿ ليساوقه في التلاوة، فأمرَهُ اللَّه تعالى أنْ يُنْصِتَ لذلك حتَّى يَفْرُغ من الوحي، وتكفَّلَ له أن يجمعَهُ في صدرِه، وأن يُيَسِّرَ عليه تلاوتَه وتبليغَه، واْن يُبَيِّنَهُ له، ويفسِّرَهُ ويوضِّحَه، ويُوقفَه على المرادِ منه. ولهذا قال: ﴿فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [طه: ١١٤] وقال: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ﴾ أي في صدرك ﴿وَقُرْآنَهُ﴾ أي وأنْ تقرأهُ ﴿فَإِذَا قَرَأْنَاهُ﴾ أي تَلاهُ عليكَ المَلَكُ ﴿فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ﴾ [القيامة: ١٨] أي فاستمِعْ له وتدبَّرْهُ ﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ [القيامة: ١٩] وهو نظيرُ قوله: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾.

وفي الصحيحين (١) من حديث موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس قال: كان رسولُ الله يُعالجُ من التنزيلِ شدَّة، فكان يحرِّكُ شفتَيْه، فأنزلَ اللهُ ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ﴾ قال: جَمْعَهُ في صدْرك، ثم تقرَأُهُ ﴿فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ﴾ فاستمعْ له وأنصتْ ﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ قال: فكان إذا أتاه جبريلُ أطْرَقَ، فإذا ذهبَ قرأَهُ كما وعدَهُ اللَّه ﷿.

[فصل]

قال ابن إسحاق (٢): ثم تتابع الوحيُّ إلى رسولِ الله وهو مصدِّقٌ بما جاءَهُ منه، قد قبله بقَبُوله، وتحملَ منه ما حمله على رضا العبادِ وسخطهم، وللنبوَّةِ أثقالٌ ومُؤْنة، لا يحملُها ولا يستضلعُ بها (٣) إلا أهلُ القوة والعَزْم من الرسل، بعون الله وتوفيقه، لما يَلْقَوْن من الناس، وما يُرَدُّ عليهم مما جاؤا به عن الله ﷿، فمضى رسولُ الله على ما أمر اللَّه، على ما يَلْقَى من قومه من الخلاف والأذى.

قال ابن إسحاق (٤): وآمنتْ خديجةُ بنت خُويلد وصدَّقتْ بما جاءه من الله، ووازرَتْهُ على أمره، وكانت أوَّلَ مَنْ آمنَ باللّه ورسوله وصدَّق بما جاء منه، فخفَّفَ اللَّه بذلك عن رسوله، لا يسمع شيئًا


(١) فتح الباري (٤٩٢٩) التفسير (٧٥) سورة القيامة باب فإذا قرآناه فاتبع قرآنه. وصحيح مسلم (٤٤٨) الصلاة باب الاستماع للقراءة.
(٢) سيرة ابن هشام (١/ ٢٤٠) والروض (١/ ٢٧٦).
(٣) كذا في ط وفي ح: يستظلع، وفي سيرة ابن هشام والروض يستطيع، ولعل الصواب: يضطلع. من اضطلع افتعل من الضلاعة وهي القوة، يقال: اضطلع بحمله أي قوي عليه ونهض به. انظر اللسان (ضلع).
(٤) سيرة ابن هشام (١/ ٢٤٠) والروض (١/ ٢٧٧).