للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يقول في الليل على أبي قُبَيس: [من الطويل]

فإن يُسْلِمِ الشَعدانِ يصبحْ محمدٌ … بمكّةَ لا يخشى خِلافَ المُخَالف

فلما أصبحوا قال أبو سفيان: من السَّعدانِ؟ أسعد بن بكر أم سعد بن هُذيم؟ فلما كانت الليلة الثانية سمعوا قائلًا يقول: [من الطويل]

أيا سعدُ سعدَ الأوسِ كُن أنت ناصرًا … ويا سعدُ سعدَ الخزرجين الغطارِفِ

أجيبا إلى داعي الهدى وتمنَّيا … على اللَّهِ فى الفِردوسِ مُنْيَةَ عارفِ

فإنَّ ثوابَ اللَّهِ للطالبِ الهدى … جِنان من الفردوس ذاتُ رفارفِ

فلما أصبحوا قال أبو سفيان: هو واللَّه سعد بن معاذ، وسعد بن عُبَادة.

[فصل]

قال ابن إسحاق (١): فلما رجع الأنصار الذين بايعوا رسولَ اللَّه ليلة العقبة الثانية إلى المدينة أظهروا الإسلام بها. وفي قومهم بقايا من شيوخ لهم على دينهم من الشرك منهم: عمرو بن الجَمُوح بن زيد بن حَرَام بن كعب بن غَنْم بن كعب بن سَلِمة، وكان ابنه مُعاذ بن عمرو ممن شهد العقبة، وكان عمرو بن الجموح من سادات بني سَلِمة وأشرافِهم، وكان قد اتخذ صنمًا من خشب في داره يقال له مناة، كما كانتِ الأشراف يصنعون، يتخذُه (٢) إلهًا، يعظِّمه ويُطَهِّرُه، فلما أسلم فتيانُ بني سَلِمة؛ ابنه معاذ، ومعاذ بن جبل كانوا يُدلجون بالليل على صنمِ عمرٍو ذلك، فيحملونه فيطرحونه في بعض حُفَر بني سَلِمة، وفيها عِذَرُ الناس منكَّسًا على رأسه، فإذا أصبح عمرو قال: ويلكم! مَنْ عدا على إلَهنا هذه الليلة؟ ثم يغدو يلتمسُه، حتى إذا وجده غسله وطَهَّرَهُ وطيَّبه ثم قال: أما واللَّه لو أعلم مَنْ فعل بك هذا لأخْزِيَنَّه فإذا أمسى ونام عمرو عَدَوْا عليه ففعلوا مثل ذلك. فيغدو فيجده في مثل ما كان فيه من الأذى، فيغسله ويطهره ويطيبه، ثم يعدون عليه إذا أمسى فيفعلون به مثل ذلك، فلما أَكثروا عليه استخرجه من حيث ألقَوْه يوما فغسله وطهَّره، ثم جاء بسيفه فعلَّقه عليه ثم قال له: إني واللَّه ما (٣) أعلم مَنْ يصنعُ بك ما أرى، فإنْ كان فيك خير فامتنعْ، فهذا السيف معك. فلما أمسى ونام عمرو عدَوْا عليه فأخذوا السيف من عتقه ثم أخذوا كلْبًا ميتًا فقرنوه به بحبل ثم ألْقَوْه في بئرٍ من آبار بني سَلِمة فيها عِذَرٌ من عِذَر الناس، وغدا عمرو بن الجموح فلم يجده في مكانه الذي كان به، فخرج يتبعه حتى إذا وجده في تلك البئر منكَسًا


= الاسم، غير أن محقق الدلائل لم يعر هذا التصحيح اهتمامه فبقيت بعض الأسماء محرفة كما كتبها النساخ أو أخرجتها لنا المطبعة. وذكر أبو عبس في الإصابة في الكنى محرفًا أيضًا إلى: أبو عبيس.
(١) في سيرة ابن هشام (١/ ٤٥٢) والروض (٢/ ٢٠٥).
(٢) في ح: يصنعون شجرة، وفي السيرة تتخذه إلهًا تعظمه وتطهِّره.
(٣) في ح: لا.