للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما ذكر كعب من القول فقال لهم: إنَّ هذا الأمر جَسيم ما كان قومي ليتفرقوا (١) على مثل هذا وما علمتُه كان. قال: فانصرفوا عنه. قال: ونفر الناسُ من مِنى فتنطَّسَ القومُ الخبر (٢)، فوجدوه قد كان، فخرجوا في طلب القوم، فأدركوا سعد بن عبادة بأذَاخِر (٣)، والمنذرَ بن عمرو أخا بني ساعدة بن كعب بن الخَزْرَج، وكلاهما كان نقيبًا. فأمَّا المنذر فأعجزَ القومَ، وأما سعد بن عبادة فأخذوه فربَطُوا يديه إلى عُنقه بنِسْع رَحْله (٤)، ثم أقبلوا به حتى أدخلوه مكَّة يضربونه ويجذبونه بجُمَّتِه -وكان ذا شعرٍ كثير- قال سعد: فواللَّه إني لفي أيديهم إذ طلع على نفرٌ من قريش فيهم رجلٌ وضِيءٌ أبيض، شَعْشَاع (٥)، حلْوٌ من الرجال، فقلت في نفسي: إن يكُ عند أحدٍ من القوم خيرٌ فعند هذا. فلما دنا مني رفع يدَه فلكمني لكمةً شديدة، فقلتُ في نفسي: لا واللَّه ما عندهم بعد هذا من خير، قال: فواللَّه إني لفي أيديهم يسحبونني إذْ أوَى لي (٦) رجلٌ ممن معهم، قال: ويحك، أما بينك وبين أحدٍ من قريش جِوَارٌ ولا عَهْد؟ قال: قلتُ بلى واللَّه، لقد كنتُ أُجِيرُ لجبيرِ بن مُطْعِم تجَّاره، وأمنعهم ممن أراد ظلمهم ببلادي. وللحارث بن حَرْب بن أمية بن عبد شمس. فقال: ويحك، فاهتِفْ باسم الرجلَيْن، واذكر ما بينك وبينهما، قال: ففعلت، وخرج ذلك الرجل إليهما فوجدهما في المسجد عند الكعبة فقال لهما: إنَّ رجلًا من الخزرج الآن يضربُ بالأبْطَح ليهتف بكما. قالا: ومن هو؟ قال: سعد بن عبادة. قالا: صدق واللَّه إنْ كان ليجير لنا تجَّارنا ويمنعهم أن يُظلموا ببلده؛ قال فجاءا فخلَّصا سعدًا من أيديهم، فانطلق. وكان الذي لَكَم سعدًا سُهيل بن عمرو. قال ابن هشام: وكان الذي أوى له أبو البَخْتَري بن هشام.

وروى البيهقي (٧) بسنده عن عبد المجيد بن أبي عَبْس بن جَبْر (٨) عن أبيه قال: سمعتْ قريشٌ قائلًا


(١) كذا في ح، ط، وفي سيرة ابن هشام والروض: ليتفوَّتوا عليَّ بمثل هذا، وهو من قولهم: تفوَّت فلانٌ على فلان في كذا، وافتات عليه: إذا انفرد برأيه دونه في التصرف فيه. النهاية لابن الأثير (٣/ ٤٧٧/ فوت).
(٢) أي أكثروا البحث عنه؛ والتنطُّس: تدقيق النظر. الروض (٢/ ٢٠٤).
(٣) جاء في معجم البلدان (١/ ١٢٧): قال ابن إسحاق: لما وصل رسول اللَّه مكة عام الفتح دخل من أذاخر حتى نزل بأعلى مكة وضربت هناك قبته اهـ.
(٤) "النِّسْع": سَيْرٌ يُنسج عريضًا على هيئة أعِنَّه النعال تُشَدُّ به الرحال، والقطعة منه نِسْعة، وسمي نسعًا لطوله. القاموس (نسع).
(٥) "الشعشاع": الطويل الحسن. القاموس (شعشع).
(٦) "أوى له": رقَّ له. القاموس (أوي).
(٧) في الدلائل (٢/ ٤٢٨).
(٨) في ح، ط: عن عيسى بن أبي عيسى بن جبير. وهو تحريف، وفي دلائل البيهقي: حدثنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي قال: حدثنا عبد الحميد بن أبي عيسى بن خير -كذا قال- وهو عبد الحميد بن أبي عبس بن محمد بن خير عن أبيه قال. . . وفيه تحريف كثير أيضًا. والصواب إن شاء اللَّه هو ما أثبتُّه من تاريخ البخاري (٦/ ١١١) والجرح والتعديل (٦/ ٦٤) والإكمال (٦/ ٨٩) رسم "عَبْس" وميزان الاعتدال (٢/ ٦٥١) ولسان الميزان (٤/ ٥٥) ويبدو أن التحريف ابتدأ من الكلبي أو ممن رووا عنه، فلذلك علَّق البيهقي بقوله: كذا قال. ثم صحح =