للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانت الحجة والخطبة في هذه السنة أيضًا للمصريين كما هي لهم من سنين متقدِّمة.

وقد كان أمير العراقيين عزم على العود سريعًا إلى بغداد على طريقهم التي جاؤوا منها، وأن لا يسيروا إلى المدينة النبوية خوفًا من الأعراب، وكثرة الخفارات، فشقَّ ذلك على النَّاس، فوقف هذان القارئان عدى جادة الطَريق التي منها يعدل إلى المدينة النبوية، وقرأا ﴿مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ﴾ [التوبة: ١٢٠] الآيات - فضَجَّ النَّاس بالبكاء وأمالت النوقُ أعناقها نحوهما، فمال الناسُ [بأجمعهم] (١) والأمير ميلةً واحدة إلى المدينة النبوية، فزاروا، وعادوا سألمين إلى بلادهم، [وللَّه الحمد والمِنَّة] (٢).

ولما رجع هذان القارئان رتبهما وليُّ الأمر مع أبي بكر بن البهلول -وكان مقرئًا مجيدًا أيضًا- ليصلُّوا بالناس صلاة التراويح في رمضان، فكثُرَ الجمع وراءهم لِحُسْن تلاوتهم، [وكانوا يطيلون الصَّلاة جدًا، ويتناوبون في الإمامة، يقرؤون في كلِّ ركعة بقدر ثلاثين آية، والنَّاس لا ينصرفون من التراويح إِلَّا في الثلث الأول من الليل، أو قريب النصف منه] (٣). وقد قرأ ابن البهلول يومًا في جامع المنصور قوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ﴾ [الحديد: ١٦]. فنهض إليه رجلٌ صوفي وهو يتمايل فقال: كيف قلت؟ فأعاد الآية، فقال الصُّوفي: بلى واللَّه، وسقط مَيْتًا، [] (٤).

قال ابن الجوزي: وكذلك وقع لأبي الحسين بن الخَشَّاب شيخ ابن الرَّفَّاء، وكان تلميذًا لأبي بكر بن الأدمي المتقدِّم ذكره (٥)، وكان جيد القراءة، حسنَ الصَّوتِ أيضًا، قرأ ابنُ الخَشَّاب هذا في جامع الرُّصافة في الإحياء هذه الآية ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ﴾ [الحديد: ١٦] فتواجد رجلٌ صوفي وقال: بلى، قد آن. وجلس فبكى بكاء طويلًا، ثم سكت سكتةً، فحرَّكوه، فإذا هو مَيْتٌ، رحمه اللَّه تعالى (٦).

[وممن توفي فيها]

الحسن بن محمد بن إسماعيل: أبو علي الإسكافي، ويلقب بالموفَّق، وكان مقدَّمًا عند بهاء


(١) ما بين حاصرتين من (ب) و (ط).
(٢) ما بين حاصرتين من (ط).
(٣) ما بين حاصرتين من (ب) و (ط).
(٤) ما بين حاصرتين من (ب) و (ط).
(٥) انظر وفيات سنة (٣٤٨ هـ).
(٦) انظر المنتظم (٧/ ٢٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>