للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيها توفي:

أبو إسحاق إبراهيم بن هارون الطَّبيب الحَرَّاني. وأبو محمد عبد اللّه بن حمدون النَّديم (١)


(١) على هامش (ح): بلغ مقابلة بالأصل المنقول منه. وقد انفردت (ب) في إيراد مسألة في الحلاج، نسوقها فيما يلي:

مسألة في الحلاج
سئل شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية - تغمده اللّه برحمته وأسكنه فسيح جنته - قال: أنا [كذا في الأصل ولعل الصواب من] اعتقد ما يعتقده الحلاج، ماذا يجب عليه، ويقول: إنما قتل ظلمًا كما قتل بعض الأنبياء، صلوات الله عليهم، ويقول الحلاج من أولياء اللّه تعالى، فماذا يجب عليه بهذا الكلام، وهل قتل بسيف الشرع الشريف أم لا، أفتونا مأجورين.
الحمد لله، من اعتقد ما يعتقده الحلاج من المقالات التي قتل الحلاج عليها، فهو كافر مرتد باتفاق المسلمين، فإن المسلمين إنما قتلوه على الحلول والاتحاد ونحو ذلك من مقالات أهل الزندقة والاتحاد كقوله أنا الله، وقوله: إله في السماء وإله في الأرض. وقد علم بالاضطرار من دين الإسلام أنه لا إله إِلَّا اللّه، وأن اللّه خالق كل شيء، فكل ما سواه مخلوق، و ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (٩٣) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (٩٤) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا﴾ [مريم: ٩٣ - ٩٥] وقد قال تعالى: ﴿يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (١٧١) لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ﴾ [النساء: ١٧١، ١٧٢]. وقال تعالى: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٧٣) أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧٤) مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ [المائدة: ٧٣ - ٧٥].
فالنصارى الذين كفَّرهم اللّه ورسوله، واتفق المسلمون على كفرهم، كان من أعظم كفرهم دعواهم الحلول والاتحاد بالمسيح بن مريم، فمن قال بالحلول والاتحاد في غير عيسى كما يقول الغالية في عليّ، وكما يقوله الحلاجية في الحلاج، والحاكمية في الحاكم، وأمثال هؤلاء، فقوله شرّ من قول النصارى، لأن المسيح أفضل من هؤلاء كلهم، وهؤلاء من جنس أتباع الدجال الذي يدعي الإلهية فيتبع، مع أن الدجال يقول للسماء امطري فتمطر، وللأرض أنبتي فتنبت، وللخربة أخرجي كنوزك، فيخرج معه كنوز الذهب والفضة، ويقتل رجلًا مؤمنًا، ثم يأمر به فيقوم، ومع هذا فهو الأعور الدجال الكذاب، فمن ادَّعى الإلهية بدون مثل هذه الخوارق كان دون هذا الدجال. والحلاج كانت له مخاريق وأنواع من السحر، وله كتب منسوبة إليه في السحر، وبالجملة فلا خلاف بين الأمة أن من قال بحلول الله في البشر أو اتحاده به، أو أن البشر يكون إلاهًا وجزءًا من الإله، فهو كافر، مباح الدم، وعلى هذا قتل الحلاج. ومن قال: إن الله نطق على لسان الحلاج، وأن الكلام المسموع من الحلاج كان كلام الله، وأن اللّه هو القائل على لسانه فهو أيضًا كافر باتفاق المسلمين، لأن الله لا يحل في بشر، ولا يتكلم على لسان بشر .. ولكن يرسل الرسل بكلامه، فيقولون عليه ما أمرهم ببلاغه، فيقول على ألسنة الرسل ما أمرهم بقوله؛ كما قال النَّبِيّ أن الله قال على لسان نبيه: سمع الله لمن حمده. فإن المعروف في خطاب الناس أن كل واحد من الرسل والرسول يقول على لسان الآمر كما قال أحمد بن حنبل للمروذي: قل على لساني، وكما يقال: هذا يقول على =

<<  <  ج: ص:  >  >>