للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيه، فجعلَ الماءُ ينبعُ من بَينِ أصابِعه أمثالَ العُيون، وكذلك كَثَّرَ الماءَ في غير ما موطن؛ كمَزادَتَي تلكَ المرأة، ويومَ الحُدَيبية، وغير ذلك، وقد استسقى اللّهَ لأصحابه في المدينة وغيرها فأُجيب طِبقَ السُّؤالِ وَفقَ الحاجةِ لا أزيدَ ولا أنقصَ، وهذا أبلغُ في المُعجز.

ونبعُ الماء من بين أصابِعه من نفس يده، على قول طائفة كثيرة من العلماء، أعظمُ من نبع الماء من الحَجَرِ فإنَّه محلٌّ لذلك.

قال أبو نُعيم الحافظ: فإن قيل: إن موسى كان يضربُ بعصاه الحجرَ فينفجرُ منه اثنتا عشرة عينًا في التيه، قد علمَ كلُّ أُناسٍ مَشربَهم. قيل: كان لمحمَّدٍ مثلُه أو أعجبُ، فإنَّ نبعَ الماء من الحَجَر مشهورٌ من المعلوم والمتعارف، وأعجبُ من ذلك نبعُ الماء من بين اللَّحم والدَّم والعَظم، فكان يُفرِجُ بينَ أصابعه في مخضب، فينبع من بين أصابعه الماء، فيشربون ويَستقون ماءً جاريًا عذبًا، روى العددَ الكثير من الناس والخيل والإبل (١).

ثم روى من طريق المُطَّلب بن عبد الله بن حَنطَبَ: حدَّثني عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري، حدَّثني أبي. قال: كنا مع رسول الله في غزوة غزاها، فباتَ النَّاسُ في مَخمَصَة، فدعا بِركوَةٍ فوُضِعت بينَ يديه، ثم دعا بماءٍ فصبَّه فيها، ثم مجَّ فيها وتكلَّم ما شاء الله أن يتكلَّم، ثم أدخلَ إصبعه فيها، فأقسمَ باللّه لقد رأيتُ أصابعَ رسول الله تَتفجَّر منها ينابيعُ الماء، ثم أمرَ النَّاسَ فسُقوا وشَربوا وملؤوا قِرَبَهم وإداواتِهم (٢).

وأما قِصَّةُ إحياء الذين قُتلوا بسبب عبادة العجل وقصة البقرة، فسيأتي ما يُشابههما من إحياء حيواناتٍ وأُناس، عند ذكر إحياء الموتى على يد عيسى ابن مريم، واللّه أعلم.

وقد ذكر أبو نُعيم ها هنا أشياءَ أُخرَ تركناها اختصارًا واقتصارًا.

وقال هشام بن عمَّار في كتابه "المبعث":

باب فيما أُعطي رسولُ الله وما أُعطي الأنبياء قبله

حدَّثنا محمد بن شعيب، حدَّثنا رَوحُ بن مدرك، أخبرني عمرُ بن حسَّان التميمي؛ أن موسى أُعطي آيةً من كُنوز العرش: "ربّ لا تُولج الشيطان في قلبي، وأعذني منه ومن كل سوء، فإنَّ لك


(١) انظر دلائل النبوة؛ لأبي نعيم (١/ ٧٥٢).
(٢) رواه أبو نعيم كما في حجة الله على العالمين؛ للبهاني (٦/ ٦٢٦) ولم أجده في الحلية ولا في الدلائل.