للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كتاب "السُّنَّة" في أحاديث الصفات على طريقة السلف، وكان حافظًا كبيرًا جليلًا، وقد ولي قضاء أصبهان بعد صالح بن الإمام أحمد، وكان قد طاف البلاد في طلب الحديث، وصحب أبا تراب النَّخْشَبي، وغيرَه من مشايخ الصوفية.

وقد اتفق له مرة كرامة هائلة، وهو أنه كان هو واثنان من كبار الصالحين في سفر فنزلوا يومًا على رمل أبيض، فجعل أبو بكر هذا يقلبه بيده، ويقول: اللهم ارزقنا خبيصًا (١) يكون بلون هذا. فلم يكن بأسرع من أن أقبل أعرابي وبيده قصعة فيها خَبيص بلون ذلك الرمل في بياضه، فأكلوا منه (٢)؛ .

وكان يقول: لا أحبُّ أن يحضر مجلسي مُبتدع ولا طعَّان ولا لعَّان ولا فاحش ولا بذيء، ولا منحرف عن الشافعيّ وأصحاب الحديث (٣).

وكانت وفاته في هذه السنة بأصبهان. وقد رآه بعضهم [في المنام] (٤) بعد وفاته وهو يصلِّي، فلما انصرف قال له: ما فعل بك ربُّك؟ قال: يؤنسني ربِّي ﷿.

[ثم دخلت سنة ثمان وثمانين ومئتين]

اتفق في هذه السنة مصائب عديدة.

منها: أنَّ الروم قصدوا بلاد الرَّقَّة في جحافلَ من البر والبحر، فقتلوا خلقًا، وأسروا نحوًا من خمسة عشر ألفًا من الذرية.

ومنها: أن بلاد أذْرَبيجان أصاب أهلَها وباءٌ شديد، حتَّى لم يبقَ أحدٌ يقدر على دفن الموتى، فتركوا بالطرقات لا يوارَون.

ومنها: أن بلاد أردبيل أصابتها ريح شديدة من بعد العصر إلى ثلث الليل، ثم زُلزلوا زِلزالًا شديدًا، واستمرَّ ذلك عليهم أيامًا، فتهدَّمت الدور والمنازل، وخسف بآخرين منهم، فكان جملة من مات تحت الهدم مئة ألف وخمسين ألفًا (٥)؛ فإنا للّه وإنا إليه راجعون.


(١) "الخَبيص": الحلواء المخبوصة من التّمر والسّمن، جمع أخبصة.
(٢) مختصر تاريخ ابن عساكر (٣/ ١٩٨)، وسير أعلام النبلاء (١٣/ ٤٣٢)، وأضاف الذهبي: كان الثلاثة: عثمان بن صخر الزَّاهد. وأبو تراب. وابن أبي عاصم، وكان هو الذي دعا.
(٣) مختصر تاريخ ابن عساكر (٣/ ١٩٨).
(٤) من ب، ظا.
(٥) ذكر الخبر في المنتظم (٦/ ٢٧)، ولم يرد عند الطبري وابن الأثير.

<<  <  ج: ص:  >  >>