للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والأقاليم والأراضي، فضرب الجزية على أهلها، وعمر عامرها، وشق الأنهار إلى خرابها ومواتها، فصارت في غاية العمارة والجودة. ولما رأى الهُرْمُزان ضيقَ بلاده عليه لمجاورة المسلمين، طلب من جَزْء بن معاوية المصالحة، فكتب إلى حُرْقوص، فكتب حرقوص إلى عُتبة بن غزوان، وكتب عتبة إلى عمر في ذلك. فجاء الكتاب العمري بالمصالحة على رامهُرْمز، وتُسْتَر، وجُنْدَيْ سابور (١)، ومدائن أخر مع ذلك. فوقع الصلحُ على ذلك كما أمر به عمر .

ذكر غزو (بلاد) فارس من ناحية البحرين (عن) (٢) ابن جرير عن سيف

وذلك أنَّ العلاء بن الحَضْرمي كان على البحرين في أيام الصدِّيق، فلما كان عمر عزله عنها وولاها لقدامة بن مظعون. ثم أعاد العلاءَ بن الحضْرمي إليها. وكان العلاء بن الحضرمي يباري سعد بن أبي وقاص. فلما افتتح سعد القادسية، وأزاح كسرى عن داره، وأخذ حدود ما يلي السواد، واستعلى وجاء بأعظم مما جاء به العلاء بن الحضرمي من ناحية البحرين. فأحب (العلاء) أن يفعل فعلًا في فارس نظيرَ ما فعله سعدٌ فيهم، فندب الناس إلى حربهم، فاستجاب له (أهل) بلاده، فجزَّأهم أجزاء، فعلى فرقة الجارود بن المُعلَّى، وعلى الأخرى السوّار بن همام، وعلى الأخرى خُلَيْد بن المُنْذر بن ساوَى، وخُليد هو أمير الجماعة. فحملهم في البحر إلى فارس، وذلك بغير إذن عمر له في ذلك - وكان عمر يكره ذلك لأن رسول الله وأبا (٣) بكر (ما) غزيا فيه المسلمين - فعبرت تلك الجنود من البحرين إلى فارس، فخرجوا من عند إصطخر، فحالت فارس بينهم وبين سفنهم، فقام في الناس خُليد بن المنذر فقال: أيها الناس، إنما أراد هؤلاء القوم بصنيعهم هذا محاربتكم، وأنتم جئتم لمحاربتهم، فاستعينوا بالله وقاتلوهم، فإنما الأرض والسفن لمن غلب، واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين، فأجابوه إلى ذلك فصلوا الظهر ثم ناهدوهم فاقتتلوا قتالًا شديدًا في مكان من الأرض يدعى طاوُس، ثم أمر خُليد المسلمين فترجّلوا وقاتلوا فصبروا، ثم ظفروا فقتلوا فارس مقتلةً لم يُقتلوا قبلها مثلَها. ثم خرجوا يريدون البصرةَ فغرقت بهم سفنهم، ولم يجدوا إلى الرجوع في البحر سبيلًا، ووجدوا شَهْرَك في أهل اصطخر قد أخذوا على المسلمين بالطرق، فعسكروا وامتنعوا من العدو. ولما بلغ عمر ما صنع العلاء بن الحضرمي، اشتد غضبُه عليه، وبعث إليه فعزله وتوعَّده، وأمره بأثقل الأشياء عليه، وأبغض الوجوه إليه. فقال: الحق بسعد بن أبي وقاص (فخرج العلاءُ إلى سعد بن أبي وقاص) مضافًا إليه، وكتب عمر إلى عُتبة بن غزوان: إن العلاء بن الحضرمي خرج بجيش فأقطعهم أهل فارس وعصاني،


(١) جُنْديسابور: مدينة بخوزستان، خصبة واسعة الخير بها النخل والزروع والمياه.
(٢) في أ: وذلك فيما حكاه. والخبر في تاريخ الطبري (٤/ ٧٩).
(٣) في أ: ولى أبا بكر؛ خطأ.