للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن محمَّد، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله : "يقول الله تعالى يوم القيامة للمؤمنين: جُوزُوا النَّارَ بِعَفْوي، وادْخُلُوا الْجَنَّة بِرَحْمتي، فاقْتَسِمُوها بفَضائل أعْمالكم". وهذا حديث غريب، وقد رواه أبو معاوية، عن إسماعيل بن مُسْلِم، عن قتادةَ، عن عبد الله، من قوله [مثله] وهو مُنْقطعٌ، بل مُعْضلٌ.

وقد قال بعضُ الوعَّاظ فيما حكاه القُرْطبيّ، في " التذكرة ": فتوَهَّمْ [نفسك] يا أخي إذا صِرْتَ على الصِّراط، ونَظَرْتَ إلى جهنّم تَحْتَكَ سَوْداءَ مظلمة مُدْلَهِمَّة، وقد تلظى سعيرُها، وعلا لَهيبُها، وأنت تمشي أحياناً، وتَزْحفُ أخْرى، ثم أنشد:

أبَتْ نَفْسي تَتُوبُ فما احْتيالي … إذا بَرَزَ العِبَادُ لِذي الْجَلالِ

وقامُوا مِنْ قُبُورِهِمُ حَيارَى … بأوْزَارٍ كَأمْثَالِ الْجِبالِ

وقَدْ نُصِبَ الصِّراطُ لِكَيْ يَجُوزوا … فمِنْهُمْ منْ يُكبُّ على الشِّمَال

ومِنْهُمْ منْ يَسيرُ لِدَارِ عَدْنٍ … تَلَقَّاهُ العَرائسُ بالْغَوالي (١)

يقُولُ لَهُ الْمُهَيْمنُ: يا وَلِيِّي … غَفَرْتُ لَكَ الذُّنُوبَ فلا تُبَالي

[فصل]

قال الله تعالى: ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (٨٥) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (٨٦) لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا﴾ [مريم: ٨٥ - ٨٧] ورد في حديث كما سيأتي أنَّهم يُؤْتونَ بِنَجَائِبَ منَ الْجَنَّةِ يَرْكَبُونها، وأنّهم يُؤْتَونَ بِهَا عِنْد قيامهم من قُبورهم. وفي صِحَّته نظر، إذْ قد تقدّم في الحديث أنّ الناس كُلّهم يُحْشَرُون مُشاةً حُفاةً عُراةً، ورسول الله يحشر وحده راكباً ناقةً حمراء، وبلالٌ يُنادي بالأذان بين يَدَيْه، فإذا قال: أشْهدُ أنَّ محمَّداً رسول الله، صدًقه الأوّلون، والآخرُون (٢). فإذا كان هذا من خصائص رسول الله ، فإنما يكون إتيانُهم بالنجائب بعد الْجَوازِ على الصراط، وهو الأشبه، والله أعلم.

وقد روي في حديث الصُّور: أن المتقين يُضْربُ لهم حِيَاضٌ يَردونها بعد مُجاوزة الصراط، وأنّهم إذا وَصلُوا إلى باب الْجنّة، يستشفعون بآدم، ثم بنوح، ثمّ بإبراهيم، ثم بموسى، ثم بعيسى، ثم بمحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فيكون رسولُ الله هو الذي يشفع لهم في دخول الجنة، والله أعلم. كما ثبت في " صحيح مسلم "، من حديث أبي النّضر، هاشم بن القاسم.


(١) أي بالطيب.
(٢) رواه ابن أبي الدنيا من حديث يونس بن سيف مرسلاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>