للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأبرق بخيول المسلمين، وأرعى سائر بلاد الرَّبَذة. ولما فرَّت عبس وذبيان صاروا إلى مؤازرة طليحة وهو نازل على بُزاخة، وقد قال في يوم الأبرق زيادُ بن حنظلة: [من الوافر]

وَيَومٌ بالأبارقِ قد شَهِدْنا … على ذبيان يلتهبُ التِهابا

أتيناهم بداهيةٍ نَسُوفٍ … مَعَ الصِّديق إذ تركَ العِتابا

خروجُه إلى ذي القصَّة حينَ عقدَ ألويةَ الأمراءِ الأحَدَ عَشَرَ

وذلك بعدما جمَّ جيش أسامة واستراحوا، ركبَ الصّدّيقُ أيضًا في الجيوش الإسلامية شاهرًا سيفه مسلولًا، من المدينة إلى ذي القصة، وهي من المدينة على مرحلةٍ، وعليُّ بن أبي طالب يقودُ براحلةِ الصّدّيق ، كما سيأتي، فسأله الصحابةُ، منهم عليٌّ وغيره، وألحّوا عليه أن يرجع إلى المدينة، وأن يبعثَ لقتالِ الأعراب غيره ممن يؤمِّره من الشجعانِ الأبطال، فأجابهم إلى ذلك، وعقدَ لهم الألويةَ لأحدَ عشرَ أميرًا، على ما سنفصِّله قريبًا إن شاء الله.

وقد روى الدارقطني (١) من حديث عبد الوهاب بن موسى الزُّهري، عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيّب، عن ابن عمرَ قال: لما برزَ أبو بكر إلى القصّة واستوى على راحلته، أخذ عليُّ بن أبي طالب بزمامها وقال: إلى أين يا خليفةَ رسولِ الله؟ أقول لك ما قال رسول الله يوم أُحُدٍ: لمّ سيفَكَ ولا تَفْجَعْنا بنفسك، وارجع إلى المدينة، فواللهِ لئن فُجعنا بك لا يكونُ للإسلام نظامٌ أبدًا، فرجع.

هذا حديث غريب من طريق مالك، وقد رواهُ زكريا السّاجي من حديث عبد الوهاب بن موسى بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف، والزهري أيضًا عن أبي الزّناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: خرجَ أبي شاهرًا سيفَه راكبًا على راحلته إلى وادي القصّة، فجاء عليُّ بن أبي طالب فأخذَ بزمام راحلتِه فقال: إلى أينَ يا خليفةَ رسول الله؟ أقول لك ما قالَ رسولُ الله يومَ أُحُدٍ: "لمَّ سيفَكَ ولا تَفْجَعْنا بنفسِك، فواللهِ لئن أُصبنا بك لا يكونُ للإسلام بعدكَ نظامٌ أبدًا". فرجع وأمضى الجيش.

وقال سيفُ بن عمر (٢): عن سهل بن يوسف، عن القاسم بن محمد: لما استراحَ أسامةُ وجندُه، وفد جاءت صدقاتٌ كثيرةٌ تفضل عنهم، قطع أبو بكر البعوث، وعقد الألوية: فعقد أحدَ عَشَرَ لواءً:

عقدَ لخالد بن الوليد وأمره بطُلَيْحة بن خُوَيْلد، فإذا فرغَ سار إلى مالك بن نُوَيْرَةَ بالبطاح إن أقام له.

ولعكرمة بن أبي جهل، وأمره بمُسَيْلمة.

وبعث شرحبيل بن حَسَنة في أثره إلى مُسَيْلمة الكَذّاب، ثم إلى بني قُضاعة.


(١) لعله روى ذلك في كتاب "غرائب مالك" ولم يصل إلينا.
(٢) تاريخ الطبري (٣/ ٢٤٩).