للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خبر وقعتي الحُصَيْد (١) والمُصَبَّخ (٢)

قال سيف (٣): عن محمد وطلحة والمهلب قالوا: وكان خالد أقام بدُومة الجَنْدل، فظنَّ الأعاجم به وكاتبوا عرب الجزيرة فاجتمعوا لحربه، وقصدوا الأنبار يريدون انتزاعها من الزِّبرقان، وهو نائب خالدٍ عليها، فلما بلغ ذلك الزِّبرقان كتب إلى القعقاع بن عمرو نائب خالد على الحيرة، فبعث (٤) القعقاع اْعْبَدَ بن فَدكي (٥) السَّعديّ، وأمره بالحُصَيْد، وبعث عُروة بن أبي الجعد البارقي وأمره بالخَنافس، ورجع خالد من دومة إلى الحيرة وهو عازم على مصادمة أهل المدائن محلة كسرى، لكنه يكره أن يفعل ذلك بغير إذن أبي بكر الصديق، وشغله ما قد اجتمع من جيوش الأعاجم مع نصارى الأعراب يريدون حربه، فبعث القعقاع بن عمرو أميرًا على الناس، فالتقوا بمكان يقال له الحُصَيْد، وعلى العجم رجل منهم يقال له روزبه، وأمده أمير آخر يقال له زَرْمهر (٦)، فاقتتلوا قتالًا شديدًا، وهزم المشركون، فقتل منهم المسلمون خلقًا كثيرًا، وقتل القعقاع (بيده) زرمهر، وقتل رجل يقال له عصمة بن عبد الله الضبي روزبه (٧). وغنم المسلمون شيئًا كثيرًا، وهرب من هرب من العجم، فلجؤوا إلى مكان يقال له خنافس، فسار إليهم أبو ليلى (بن) فدكي السعدي، فلما أحسوا بذلك ساروا إلى المُصَيَّخ، فلما استقروا بها بمنْ معهم من الأعاجم والأعراب قصدهم خالد بن الوليد بمن معه من الجنود، وقسم الجيش ثلاث فرق، وأغار عليهم ليلًا وهم نائمون فأنامهم (٨)، ولم يفلت منهم إلا اليسير فما شبهوا إلا بغنم مُصرَّعةٍ.

وقد روى ابن جرير (٩) عن عدي بن حاتم قال:

انتهينا في هذه الغارة إلى رجل يقال (له) حُرْقُوص بن النعمان النمري، وحوله بنوه وبناته وامرأته، وقد وضع لهم جفنة من خمر وهم يقولون: أحد يشرب هذه الساعة وهذه جيوش خالد قد أقبلت؟ فقال لهم: اشربوا شربَ وداعٍ فما أرى أن تشربوا خمرًا بعدها، فشربوا وجعل يقول (١٠): [من الطويل]


(١) معجم ما استعجم (٤٥٢).
(٢) ط: المضيح؛ وكذا في معجم ما استعجم (١٢٣٥) وقال ياقوت: المُصيخ بين حوران والقلت وكانت به وقعة هائلة لخالد على بني تغلب. معجم البلدان (٥/ ١٤٤).
(٣) تاريخ الطبري (٣/ ٣٨٠) والخبر أيضًا في الكامل لابن الأثير (٢/ ٣٩٧).
(٤) في أ: فكتب، تصحيف.
(٥) في أ: عبد بن فزكي السعدي.
(٦) في أ: وزمهر.
(٧) في أ: رويزة.
(٨) أنامهم: هنا بمعنى: قتلهم. اللسان (نوم).
(٩) تاريخ الطبري (٣/ ٣٨٢).
(١٠) البيت مع الخبر مختصرًا في معجم البلدان (٥/ ١٤٤).