للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما المقام المحمود المحمَّدي يوم القيامة، فلا يساويه بل ولا يدانيه أحد فيه، ويحصل له من التشريفات ما يغبطه بها الخلائق كلهم

وقد تقدَّم ما ورد من الأحاديث في المقام المحمود، وأنه أول من يسجُد بين يدي اللَّه تعالى يوم القيامة، وأوَّل من يَشْفَعُ [فيُشفَّعُ]، وأوَّل من يُكْسَى بَعْد الخليل حُلَّتين خَضْرَاوَيْنِ، وَيَجْلسُ الْخَليلُ [] بين يدي العرش، ومحمَّد عن يَمِين العرش، فيقول: يا ربّ، إنّ هذا -ويُشير إلى جبريلَ []- أخبرني عَنْكَ أنّك أرْسَلْتَه إليّ، فيقول اللَّه تعالى: صدق جبريلُ.

وقد روى لَيْثُ بن أبي سُلَيْم، وأبو يحيى القَتات، وعطاء بن السائب، وجابر الجُعْفيّ، عن مجاهد، أنّه قال في تفسير المقام المحمود: إنّه يُجْلسُه معه على العَرْش. ورُوي نحوه عن عبد اللَّه بن سَلام، وجمع فيه أبو بكر المَرُّوذي جُزءًا كبيرًا، وحكاه هو وغيرُه عن غير واحد من السلف، وأهل الحديث، كأحمدَ، وإسحاقَ بن راهَوَيْه، وخَلْقٍ، وقال ابنُ جرير: وهذا شيء لا يُنكرهُ مثْبتٌ ولا نافٍ، وقد نَظمَه الْحَافِظُ [أبو الحسن] الدارقُطْنيّ في قصيدةٍ له.

قلت: ومثلُ هذا لا ينبغي قَبُولُه إلّا عن معصوم، ولم يَثْبُتْ في هذا حديثٌ يُعَوَّلُ عليه، ولا يُصارُ بسببهِ إليه، وقولُ مجاهدٍ وغيره في هذا: (إنَّه المقام المحمود) ليس بحُجَّة بمُجَرَّدِهِ، وكذلك ما روي عن عبد اللَّه بن سلام لا يصح. ولكن قد تلقاه جماعة من أهل الحديث بالقبول، ولم يصحّ إسنادُه إلى ابن سلام، واللَّه سبحانه أعلم بالصواب.

وقال [أبو بكر] بن أبي الدُّنيا: حدّثنا سُرَيْج (١) بن يونس، حدّثنا أبو سُفْيانَ المَعْمَريّ، عن مَعْمَر، عن الزّهريّ، عن عليّ بن الحُسَيْن: أنَّ النبيَّ قال: "إذا كان يومُ القيامة مُدَّت الأرضُ مَدَّ الأديم، حتى لا يكون للإنسان إلّا مَوْضِعُ قَدَمَيْه"، قال النبيُّ : "فأكونُ أوّلَ من يُدْعى، وجبريلُ عن يَمين الرحمن، واللَّهِ ما رآه قَبْلَها، فأقول: يا ربّ، إنّ هذا أخبرني أنّك أرسلته إليّ، فيقول اللَّه تعالى: صدق، ثم أشْفَعُ فأقول: يا رَبّ عبادُك عبدوك في أطراف الأرض، فهو المقام المحمود".

قلت: قد ورد في المقام المحمود أنه الشفاعة العظمى في الخلق ليقضى بينهم حين يأتون آدم ونوحًا وإبراهيم وموسى وعيسى فإذا جاؤوا إلى النبي ، قال: "أنا لها، أنا لها" فهذا هو المقام المحمود الذي يحمده به الأولون والآخرون، كما روي في الأحاديث الصحيحة.


(١) في (أ): شريح، وهو خطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>