للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

باب بَيان أنّ الله تعالى منزّه عن الولد تعالى عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا (١)

قال تعالى في آخر هذه السورة: ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (٨٨) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (٨٩) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (٩٠) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (٩١) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (٩٢) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (٩٣) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (٩٤) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا﴾ [مريم: ٨٨ - ٩٥].

فبيّن أنّه تعالى لا ينبغي له الولد؛ لأنّه خالق كلِّ شيءً ومالكه، وكلّ شيء ففير إليه، خاضعٌ ذليلٌ لديه، وجميع سكان السماوات والأرض عبيدُه، وهو ربّهم، لا إله إلا هو، ولا رب سواه، كما قال تعالى: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ (١٠٠) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٠١) ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (١٠٢) لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الأنعام: ١٠٠ - ١٠٣].

فبين أنه خالق كلّ شيء، فكيف يكون له ولد، والولد لا يكون إلا بين شيئين متناسبين، واللّه تعالى لا نظير له ولا شبيه له ولا عديل له، ولا صاحبة له فلا يكون له ولد كما قال تعالى: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١) اللَّهُ الصَّمَدُ (٢) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ تقرر أنه الأحد الذي لا نظير له في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ﴿الصَّمَدُ﴾ وهو السيد الذي كمل في علمه وحكمته ورحمته وجميع صفاته ﴿لَمْ يَلِدْ﴾ أي لم يوجد منه ولد، ﴿وَلَمْ يُولَدْ﴾ أي: ولم يتولّد عن شيء قبله ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ أي وليس له عديلٌ ولا مكافئٌ ولا مساوٍ، فقطع النظير المدني والأعلى والمساوي، فانتفى أن يكون له ولد، إذ لا يكون الولد إلا متوَلدًا بين شيئين متعادلين أو متقاربين وتعالى اللّه عن ذلك علوًا كبيرًا.

وقال وتقدَّس: ﴿يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (١٧١) لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ


(١) هذه العبارة ليست في ط.