للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال يونس، عن ابن إسحاق (١): وكتب لأهل جرباء وأذرح: "بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتابٌ من محمدٍ النبيِّ رسول الله لأهل جرباء وأذرح، أنهم آمنون بأمان الله وأمان محمدٍ، وأن عليهم مئة دينارٍ في كلِّ رجبٍ، ومائة أوقيَّةٍ طَيِّبةٍ، وأن الله عليهم كفيلٌ بالنُّصح والإحسان إلى المسلمين، ومن لجأ إليهم من المسلمين". قال: وأعطى النبيُّ أهل أيلة بُرده مع كتابه أمانًا لهم. قال: فاشتراه بعد ذلك أبو العباس عبد الله بن محمدٍ بثلاثمائة دينارٍ.

* * *

بَعْثُهُ، ، خالد بن الوليد إلى أُكَيْدِر دُومة

قال ابن إسحاق (٢): ثم إنَّ رسول الله دعا خالد بن الوليد فبعثه إلى أكيدر دُومة، وهو أُكَيدر بن عبد الملك؛ رجلٌ من كِندة، كان ملكًا عليها، وكان نصرانيًا. وقال رسول الله لخالدٍ: "إنك ستجده يصيد البقر". فخرج خالدٌ، حتى إذا كان من حصنه بمنظر العين، وفي ليلةٍ مقمرةٍ صائفةٍ، وهو على سطحٍ له، ومعه امرأته، وباتت البقر تحكُّ بقرونها باب القصر، فقالت له امرأته: هل رأيت مثل هذا قطُّ؟! قال: لا والله! قالت: فمن يترك هذا؟ قال: لا أحد. فنزل فأمر بفرسه فأُسرج له. وركب معه نفرٌ من أهل بيته، فيهم أخٌ له يقال له: حسَّان. فركب وخرجوا معه بمَطاردهم. فلمَّا خرجوا تلقَّتهم خيل النبيِّ ، فأخذته وقتلوا أخاه، وكان عليه قَباءٌ من ديباجٍ مخوَّصٌ بالذهب، فاستلبه خالدٌ، فبعث به إلى رسول الله قبل قدومه عليه. قال: فحدَّثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن أنس بن مالكٍ قال: رأيت قَباء أُكيدرٍ حين قدم به على رسول الله ، فجعل المسلمون يلمسونه بأيديهم ويتعجَّبون منه، فقال رسول الله : "أتعجبون من هذا؟ فوالذي نفسي بيده لمناديل سعد بن معاذٍ في الجنة أحسن من هذا".

قال ابن إسحاق (٣): ثم إن خالد بن الوليد لمَّا قدم بأكيدرٍ على رسول الله حقن له دمه فصالحه على الجزية، ثم خلَّى سبيله، فرجع إلى قريته، فقال رجلٌ من بني طيِّىِّءٍ -يقال له: بُجير بن بَجرة- في ذلك: [من الوافر]

تبارك سائق البقرات إنِّي … رأيت الله يهدي كلَّ هاد

فمن يك حائدًا عن ذي تبوكٍ … فإنَّا قد أمرنا بالجهاد


(١) انظر "دلائل النبوة" للبيهقي (٥/ ٢٤٨ - ٢٤٩).
(٢) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٥٢٦).
(٣) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٥٢٦ - ٥٢٧).