للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد وَرَدَتْ أحاديثُ فِيهَا غَرَابةٌ في شَأنِ أصْحَابِ الأعْرَافِ، وَصِفَاتِهِمْ، تَرَكْنَاهَا لِضَعْفِهَا، والله أعلم.

[ذكر آخر من يخرج من النار]

ثبت في "صحيح مسلم" من حديث أبي هُرَيْرَةَ أنَّ نَاسًا قالُوا لِرسولِ الله : يا رسولَ الله، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ القِيَامَةِ؟ فقالَ رسولُ الله : "هَلْ تُضَارُّونَ في رُؤْيَةِ القمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ؟ " قالوا: لا، يا رسولَ الله، قال: "هَلْ تُضَارُّونَ في الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟ " قالوا: لا، قال: "فإنكمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ. يَجْمعُ اللهُ الناسَ يَوْمَ القِيَامةِ، فيَقُولُ: منْ كانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فلْيَتَّبِعْهُ، فَيَتَبعُ منْ كانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ الشَّمْسَ، وَيتَّبِعُ منْ كانَ يَعْبُدُ الْقَمَرَ الْقَمَرَ، وَيَتَّبعُ منْ كان يَعْبُدُ الطَّوَاغيتَ الطَّوَاغيتَ، وَتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا مُنَافقُوها، فَيَأتِيهم اللهُ في صُورَةٍ غَيرِ صُورَتِهِ التي يَعْرفُون، فيقُولُ: أنَا رَبُّكُمْ، فيقُولُونَ: نَعُوذُ باللهِ مِنْكَ، هَذَا مَكَانُنَا حتّى يأتينا رَبُّنَا، فإذا جَاءَ رَبُّنا عَرَفْناهُ، فيَأتيهمُ اللهُ في صُورتِهِ التي يَعْرفُونَ، فيقُولُ: أنا رَبُّكُمْ، فيقُولُونَ: أنْتَ رَبُّنا، فيتّبِعُونَهُ، وَيُضرَبُ الصِّراطُ بينَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ، فأكُون أنا وأمتي أوَّلَ منْ يُجيزُ، وَلا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئذٍ إلَّا الرُّسُلُ، وَدَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمئذٍ: اللّهُمَّ سَلِّم، سَلِّمْ، وفي جَهنمَ كَلالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعدَانِ، هَلْ رَأيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ؟ " قالوا: نَعَمْ، يا رسول الله، قال: "فإنَّها مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، غَيْرَ أنَّهُ لا يَعْلم قَدْرَ عِظَمِهَا إلَّا الله تَعَالَى، تَخْطَفُ الناسَ بأعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمُ المُوثقُ بِعَمَلِهِ، وَمِنْهُمُ المُجَازَى حتّى يَنجُو، حَتّى إذَا فَرَغَ اللهُ منَ الْقَضاء بَيْنَ العِبَادِ، وأرَادَ أنْ يُخْرِجَ بِرَحْمَتِهِ منْ أرَادَ منْ أهْلِ النارِ، أمَرَ الْمَلائكةَ أنْ يُخْرِجُوا منَ النارِ منْ كَانَ لا يُشْرِكُ باللهِ شَيئًا مِمَّنْ أرَادَ اللهُ أنْ يَرْحَمهُ مِمَّنْ يَقُولُ: لا إلهَ إلَّا اللهُ، فيَعْرِفونَهُم في النَّارِ، يَعْرِفُونَهُمْ بِأثَرِ السُّجُودِ، تَأكُلُ النَّارُ مِنِ ابْنِ آدَمَ إلَّا أثَرَ السُّجُودِ، حَرَّمَ اللهُ على النَّارِ أنْ تَأكُلَ أثَر السُّجُودِ، فَيُخْرَجُونَ منَ النَّارِ قَدِ امْتَحشُوا، فيُصَبُّ عَلَيْهمْ منْ مَاء الْحَيَاةِ فيَنْبتُونَ [مِنْهُ] كما تَنْبُتُ الحِبَّةُ في حَمِيلِ السَّيْلِ، ويَفْرُغُ اللهُ منَ القَضَاء بين العِبَادِ، وَيَبْقَى رَجُلٌ مُقْبل بِوَجْهِهِ على النّارِ، وَهُوَ آخِرُ أهْلِ النَّارِ دُخُولًا إلى الْجنَّةِ، فيَقُولُ: أيْ رَبِّ، اصرفْ وَجْهي عنِ النَّارِ، فإنَّهُ قد قَشَبني (١) رِيحُهَا، وأحْرَقني ذَكاؤُهَا (٢) فيَدْعُو اللهَ ما شاء أنْ يَدعُوَه، ثُمَّ يَقُولُ اللهُ: هَلْ عَسَيْتَ إنْ أعْطيتك ذَلِكَ [أنْ] تَسْألَني غَيْرَهُ؟ فيقُولُ: لا أسْألُك غيْرَهُ، وَيُعْطي رَبَّهُ منْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ ما شَاء، فيَصْرفُ وَجْهَهُ عنِ النَّارِ، فإذا أقْبَلَ على الْجَنَّةِ ورآها سكَتَ ما شَاءَ اللهُ أنْ يَسْكُتَ، ثُمَّ يَقُولُ: أيْ رَبِّ قَدِّمْني إلى بَابِ الْجنَّةِ، فيقُولُ اللهُ: ألْيسَ قدْ أعْطَيْتَ عُهُودَكَ ومَوَاثيقَكَ ألّا تسْألَني غَيْرَ الّذِي أُعْطيتَ؟ وَيْلَكَ يا ابْنَ آدَمَ، مَا أغْدَرَكَ!


(١) آذاني.
(٢) شدة لهبها.

<<  <  ج: ص:  >  >>