للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"الصحيح" من حديث عبيد اللَّه بن عمر العمريّ، عن وهب بن كيسان، عن جابرٍ بنحوه.

(قال السّهيليّ (١): في هذا الحديث إشارةٌ إلى ما كان أخبر به رسول اللَّه جابر بن عبد اللَّه؛ أن اللَّه أحيا [والده] وكلّمه، فقال له: "تمنّ عليّ". وذلك أنّه شهيدٌ، وقد قال اللَّه تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ﴾ [التوبة: ١١١] وزادهم على ذلك في قوله: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: ٢٦]. ثم جمع لهم بين العوض والمعوّض، فردّ عليهم أرواحهم التي اشتراها منهم، فقال: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران: ١٦٩]. والرّوح للإنسان بمنزلة المطيّة، كما قال ذلك عمر بن عبد العزيز. قال: ولذلك اشترى رسول اللَّه [] من جابرٍ جمله وهو مطيّته فأعطاه ثمنه، ثم ردّه عليه وزاده مع ذلك. قال: ففيه تحقيقٌ لما كان أخبره [به]، عن أبيه. وهذا الذي سلكه السهيليّ ههنا إشارةٌ غريبةٌ وتخيّلٌ بديعٌ. واللَّه أعلم) (٢).

وقد ترجم الحافظ البيهقيّ في كتابه "دلائل النبوة" (٣) على هذا الحديث في هذه الغزوة فقال: باب ما ظهر في غزاته هذه من بركاته وآياته في جمل جابر بن عبد اللَّه، . وهذا الحديث له طرق عن جابرٍ وألفاظٌ كثيرةٌ، وفيه اختلافٌ كثيرٌ في كمية ثمن الجمل وكيفية ما اشترط في البيع. وتحرير ذلك واستقصاؤه لائق بكتاب البيع من "الأحكام" واللَّه أعلم.

وقد جاء تقييده بهذه الغزوة، وجاء تقييده بغيرها، كما سيأتي، ومُسْتَبْعَد تعداد ذلك، واللَّه أعلم.

غزوة بدرٍ الآخرة

وهي بدرٌ الموعد (٤)، التي تواعدوا إليها من أحدٍ، كما تقدم.

قال ابن إسحاق (٥): ولما رجع رسول اللَّه إلى المدينة من غزوة ذات الرّقاع، أقام بها بقية جمادى [الأولى] وجمادى الآخرة ورجبًا، ثم خرج في شعبان إلى بدر لميعاد أبي سفيان. قال ابن هشامٍ: واستعمل على المدينة عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن أُبيّ بن سلول. قال ابن إسحاق: فنزل رسول اللَّه بدرًّا، وأقام عليه ثمانيًا ينتظر أبا سفيان، وخرج أبو سفيان في أهل مكة، حتى نزل مجنّة من ناحية الظّهران، وبعض الناس يقول: قد بلغ عُسفان. ثم بدا له في الرجوع، فقال: يا معشر قريشٍ، إنه لا يصلحكم إلّا عامٌ خصيبٌ، ترعون فيه الشجر، وتشربون فيه اللبن، فإن عامكم هذا عامُ جدبٍ، وإني راجعٌ فارجعوا. فرجع الناس، فسمّاهم أهل مكة جيش السَّوَيق، يقولون: إنما خرجتم تشربون السّويق.


(١) انظر "الروض الأنف" (٦/ ٢٤٨).
(٢) ما بين القوسين ورد في حاشية الأصل (أ) وما بين الحاصرتين سقط منه وأثبته من (ط).
(٣) (٣/ ٣٨١).
(٤) وقال المؤلف في "الفصول في سيرة الرسول" ص (١٦٣): "وهذه الغزوة تسمى بدرًا الثالثة، وبدر الموعد".
(٥) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٢٠٩).