للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال محمد بن إسحاق (١): حدثني محمد بن جعفرٍ، عن عُروة، عن عائشة أن أبا بكر دخل على عائشة وهي تغربل حنطة، فقال: ما هذا؟ أمركم رسول اللّه بالجهاز؟ قالت: نعم فتجهز. قال: وإلى أين؟ قالت: ما سمَّى لنا شيئًا، غير أنَّه قد أمرنا بالجهاز.

قال ابن إسحاق (٢): ثم إن رسول اللّه أعلم الناس أنَّه سائر إلى مكة، وأمر بالجدِّ والتهيُّؤ، وقال: "اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش، حتى نبغتها في بلادها". فتجهز الناس، فقال حَسَّان يحرّض الناس، ويذكر مصاب خُزَاعَة (٣): [من الطويل]

عناني ولم أشهد ببطحاء مكَّة … رجال بني كَعْبٍ تحزُّ رِقَابُهَا

بأيدي رجال لم يَسُلّوا سيوفهم … وقتلى كثير لم تجنَّ ثيابها

أَلا لَيْتَ شِعْري هل تنالنَّ نُصرتي … سهيل بن عمرو حرُّها وعقابها

وصفوان عَود حزَّ من شُفر استه … فهذا أوان الحرب شُدَّ عصابها

فلا تأمننَّا يا بن أمِّ مجالد … إذا احتلبت صرفًا وأعصل نابُها

ولا تجزعوا منها فإن سيوفنا … لها وقعة بالموت يفتح بابُها

* * *

قصةُ حاطب بن أبي بَلْتَعَة

قال محمد بن إسحاق (٤): حدثني محمد بن جعفر، عن عروة بن الزُّبير وغيره من علمائنا قالوا: لمَّا أجمع رسول اللّه المسير إلى مكَّة، كتب حاطب بن أبي بلتعة كتابًا إلى قريش، يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول اللّه من الأمر في السير إليهم، ثم أعطاه امرأة - زعم محمد بن جعفر أنَّها من مزينة، وزعم لي غيره أنَّها سارة، مولاة لبعض بني عبد المطلب - وجعل لها جُعلًا على أن تبلِّغه قريشًا، فجعلته في رأسها، ثم فتلت عليه قرونها ثم خرجت به، وأتى رسولَ اللّه الخبرُ من السماء بما صنع حاطب، فبعث عليَّ بن أبي طالب، والزُّبير بن العوام فقال: "أدركا امرأة قد كتب معها حاطب بن أبي بلتعة بكتاب إلى قريش، يحذِّرهم ما قد أجمعنا له من أمرهم". فخرجا حتى أدركاها بالخليقة خليقة بني أبي أحمد، فاستنزلاها، فالتمساه في رحلها فلم يجدا فيه شيئًا، فقال لها عليٌّ: إنِّي أحلف بالله ما كذب رسول اللّه ولا كذبنا، ولتخرجِنَّ لنا هذا الكتاب أو لنكشفنَّك.


(١) انظر "دلائل النبوة" (٥/ ١٢).
(٢) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٣٩٧).
(٣) الأبيات في "ديوانه" (١/ ٢٩٦) مع بعض الخلاف.
(٤) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٣٩٨).