للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلمَّا رأت الجدَّ منه قالت: أعرض. فأعرض، فحلت قرون رأسها، فاستخرجت الكتاب منها فدفعته إليه، فأتى به رسول اللّه ، فدعا رسول اللّه حاطبًا فقال: "يا حاطب، ما حملك على هذا؟ " فقال: يا رسول الله، أما والله إنِّي لمؤمنٌ بالله وبرسوله، ما غيَّرت ولا بدلت، ولكنَّني كنت امرأ ليس لي في القوم من أصل ولا عشيرة، وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل فصانعتهم عليهم. فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله، دعني فلأضرب عنقه؛ فإنَّ الرَّجل قد نافق. فقال رسول الله: "وما يدريك يا عمر، لعلَّ الله قد اطلع إلى أصحاب بدر يوم بدر. فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم". وأنزل الله تعالى في حاطب: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ﴾ إلى آخر القصة.

هكذا أورد ابن إسحاق هذه القصة مرسلة، وقد ذكر السهيليُّ (١) أنه كان في كتاب حاطب: إنَّ رسول الله قد توجَّه إليكم بجيش كالليل يسير كالسَّيل، وأقسم بالله لو سار إليكم وحده لنصره الله عليكم، فإنَّه منجز له ما وعده. قال: وفي "تفسير ابن سَلام" (٢) أنَّ حاطبًا كتب: إن محمدًا قد نفر؛ فإمَّا إليكم وإمَّا إلى غيركم، فعليكم الحذر.

وقد قال البخاري (٣): ثنا قُتيبة، ثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، أخبرني الحسن بن محمد، أنَّه سمع عبيد الله بن أبي رافع، سمعت عليًا يقول: بعثني رسول الله أنا والزُّبير والمقداد فقال: "انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإنَّ بها ظعينةً معها كتاب فخذوه منها". فانطلقنا تعادى بنا خيلُنا حتى أتينا الرَّوضة، فإذا نحن بالظعينة، فقلنا: أخرجي الكتاب. فقالت: ما معي كتاب. فقلنا: لتخرجِنَّ الكتاب أو لنلقينَّ الثياب. قال: فأخرجته من عقاصها، فأتينا به رسول اللّه ، فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة. إلى ناسٍ بمكَّة من المشركين، يخبرهم ببعض أمر رسول الله ، فقال: "يا حاطب، ما هذا؟ " فقال: يا رسول الله، لا تعجل عليَّ، إنَّي كنت امرأً ملصقًا في قريش - يقول: كنت حليفًا ولم أكن من أنفسها - وكان من معك من المهاجرين من لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدًا يحمون قرابتي، ولم أفعله ارتدادًا عن ديني، ولا رضًا


(١) في "الروض الأنف" (٧/ ٨٦).
(٢) ومؤلّفه الإمام يحيى بن سَلَّام بن أبي ثعلبة التّيمي البَصْري ثم الإفريقي، وكان مفسّرًا، فقيهًا، عالمًا بالحديث واللغة. أدرك نحو عشرين من التابعين وروى عنهم. و "تفسيره" الذي أشار إليه المؤلّف مخطوط لم يطبع بعد، ومنه أجزاء في تونس والقيروان، مات سنة (٢٠٠) هـ. انظر ترجمته ومصادرها والتعليق عليها في "الأعلام" للزركلي (٨/ ١٤٨).
(٣) رواه البخاري رقم (٤٢٧٤).