للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرَّحْمَنِ منْ أمَّةِ محمَّد ، فيُعْرفُونَ من بَيْنِ أهْلِ الْجنَّةِ بذلك، فيتَضرَّعُونَ إلى الله تعالى أنْ يَمْحُوَ عَنْهُمْ تلك السِّمَةَ، فيَمْحُوها اللهُ عنهم، فلا يُعْرفونَ بها بَعْدَ ذلك منْ بَيْن أهْل الجَنّةِ.

لبَعْض هذا الأثر، شواهدُ من الأحاديث، والله أعلم.

وسيأتي بعد ذكر أحاديث الشفاعة ذِكر آخِر منْ يخْرُجُ منَ النار ويَدْخُلُ الْجنّةَ إنْ شاءَ اللهُ تعالى.

[ذكر الأحاديث الواردة في شفاعة رسول الله يوم القيامة وبيان أنواعها وتعدادها]

النوع الأول منها شفاعته الأولى، وهي العظمى الخاصة به من بين سائر إخوانه من النبيين والمرسلين صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين، وهي التي يرغب إليه فيها الخلق كلّهم حتى إبراهيم الخليل، وموسى [الكليم]، [ويتوسَّل الناسُ إلى آدَم، فمنْ بعده من المُرسلين، فكلٌّ يَحيدُ عنها، ويقولُ: لَسْتُ بِصَاحِبها] حتى يَنْتهيَ الأمْرُ إلى سيِّد وَلَد آدمَ في الدُّنيا والآخِرَةِ محمّدٍ ، فيقول: [أنا لها]، أنا لها، فيذهبُ فيَشْفَعُ عند الله تعالى في أنْ يَأْتي لفصل القضاء بَيْنَ الخلق ويُريحَهُمْ مما هم فيه، ويَميز بَيْنَ مُؤمنهم وكافِرِهمْ، بمُجازاةِ المؤمنين بالجنّةِ، والكافرين بالنار.

وقد ذكرنا ذلك عند تفسير قوله تعالى: في سورة (سُبْحانَ) ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ [الإسراء: ٧٩]، وقد قدَّمنا في هذا الكتاب من الأحاديث الدالّةِ على هذا المقام المحمود ما فيه كفايةٌ، ولله الحمد والمِنّة.

وثبت في "الصحيحين" من طريق هُشَيْم، عن سَيَّار، عن يَزيدَ الفَقيرِ، عن جَابر بن عبد الله قال: قال رسولُ الله : "أُعطيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهنَّ أحَدٌ منَ الأنْبياءَ قَبْلي: نُصرْتُ بالرُّعْبِ مَسيرَةَ شهْرٍ، وَجُعِلَتْ ليَ الأرْضُ مَسْجدًا وطَهُورًا، وأُحِلَّتْ ليَ الغَنائمُ، ولمْ تَحِل لأحدٍ قَبْلي، وَأُعْطيتُ الشَّفَاعَةَ، وكان النَّبىُّ يُبْعثُ إلى قَوْمِهِ [خاصَّةً] وَبُعثْتُ إلى النَّاسِ عَامَّةً (١).

وقد رواه أبو داود الطيالسيُّ، عن شُعْبةَ، عن وَاصلٍ، عن مُجاهدٍ، عن أبي ذَرٍّ، عن النبيِّ بنحوه، ورواه الأعْمشُ، عن مُجاهدٍ، عن عُبَيْدِ بن عُمَيْرٍ، عن أبي ذَرٍّ (٢).

فقوله: "وأُعْطيتُ الشَّفَاعَةَ" يعني [بذلك] الشَّفَاعةَ العُظْمى، وهي الأُولى الَّتي يَشْفعُ فيها [عِنْدَ اللهِ ﷿] لِفَصْلِ القَضاءَ بين العباد، ويغبطه بها الأولون والآخرون.


(١) رواه البخاري رقم (٣٣٥) ومسلم (٥٢١).
(٢) رواه أبو داود الطيالسي في "مسنده" رقم (٤٧٢) وعبد الله بن المبارك في "الزهد" (١٠٦٩) وهو حديث حسن.

<<  <  ج: ص:  >  >>