للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذه هي الشّفاعة الّتي اخْتصَّ بها دُونَ غَيْرِه من الرسل، وأما الشفاعة في العُصَاةِ، فيشركه فيها غَيْره من الأنبياء والملائكة والمؤمنين حتى القرآن والأعمال الصالحة، كما سيأتي بيان ذلك فيما نورده من الأحاديث الصحيحة وغيرها فقد ثبتت له ولغيره.

وقال الأوزاعيّ، عن أبي عمَّار، عن عبد الله بن فَرُّوخٍ، عن أبي هُريرةَ: أنَّ رسولَ الله قالَ: " أنَا أوَّلُ منْ تَنْشقُّ عَنْهُ [الأرْضُ]، وأؤَلُ شَافِع، وأوَّلُ مُشَفَّعٍ" (١).

ورواه البيهقيُّ عن مَعْمر بن راشد، عن محمد بن عبد الله بن أبي يَعْقوبَ، عن بِشْرِ بن شَغَافٍ، عن عبد الله بن سَلامٍ، قال: قال رسولُ الله : "أنا سَيِّدُ وَلَدِ آدَم ولا فَخْرَ، وأنَا أؤَلُ منْ تَنْشق عَنْهُ الأرضُ، وأنَا أوَّلُ شَافِعِ ومُشَفع، بِيَدي لِواءُ الْحَمْدِ، تحتي آدَم، فمنْ دُونَهُ" (٢).

وفي "صحيح مسلم" من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أُبَيِّ بن كَعْبٍ: أنَّ رسولَ اللهِ قال: "إنَّ رَبي أرْسَلَ إليَّ أنِ اقْرإ القُرْآنَ على حَرْفٍ، فرَددتُ عَلَيْهِ: يا رَبِّ، هَوِّنْ على أُمَّتي، فَرَدَّ عليَّ الثَّانيةَ: أنِ اقْرَأهُ على حرفين (٣) "قال: "قلت: يا رَبِّ، هَوِّنْ على أمَّتي، فرَدَّ عَليَّ الثّالِثَةَ: أنِ اقْرأْهُ على سَبْعةِ أحْرُفٍ، ولَكَ بِكُل رَدَّةٍ رُدِدْتَها مَسْألةٌ تَسْألنيها، فقلتُ: يا رب اللَّهُمَّ اغْفرْ لأُمَّتي، الّلهُمَّ اغْفرْ لأُمَّتي، وأخَّرْتُ الثالِثَةَ إلى يوم يَرْغبُ إليَّ فيهِ الْخَلْقُ [كُلُّهُمْ] حتى إبراهيمُ " (٤).

النوع الثاني والثالث، من الشفاعة

شفاعته في أقوام قد تساوت حسناتهم، وسيّئاتُهُمْ، فيشفع فيهم ليدخلوا الجنة، وفي أقوام قد أُمر بهم إلى النَّارِ ألّا يَدْخُلوهَا.

قال الحافظ أبو بكر بن أبي الدّنيا في كتاب "الأهوال": حدّثنا سعيدُ بن محمد الجَرْميُّ، حدّثنا أبو عُبَيْدةَ الْحَدّاد، حدّثنا محمد بنُ ثابتٍ البُنَانيُّ، عن عُبَيْدِ الله بن عَبْدِ اللهِ بن الحارث بن نَوْفلٍ، عن أبيه، عن عبد الله بن عبَّاس، قال: قال رسولُ الله : "يُنْصبُ لِلأنْبياءَ يَوْمَ القِيامَةِ مَنابرُ منْ ذهبٍ، فيَجْلسُون علَيْها "قال: "وَيَبْقى مِنبري لا أجْلسُ عَلَيْهِ قَائمًا بَيْنَ يَدي اللهِ ﷿ مُنْتصبًا بِاُمَّتي مَخَافَةَ أنْ يُبْعَثَ بي إلى الْجنَّةِ وَتَبْقى أمَّتي بَعْدي، فأقول: يا رَبِّ أُمَّتي، فيقولُ [اللهُ]: يا محمد، وما تُريدُ أنْ أصْنَعَ بِأُمَّتِكَ؟ فأقولُ: يا رَبِّ، عَجِّلْ حِسَابَهُمْ. فَيُدْعى بِهمْ، فَيُحاسبُونَ، فمِنْهُمْ منْ يَدْخُلُ الْجنّةَ


(١) رواه مسلم رقم (٢٨٧٨).
(٢) رواه ابن أبي عاصم في السنة رقم (٧٩٣) من طريق معمر، به، وهو حديث صحيح.
(٣) في الأصول: على حرف، وما أثبتناه من صحيح مسلم.
(٤) رواه مسلم رقم (٨٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>